وأما في اصطلاح أهل العرف :
فقد يطلق العقل على صحة الفطرة ، وعلى كثرة التجربة ، وعلى الهيئة المستحسنة للإنسان في حركاته وسكناته ؛ لكن المقصود هاهنا : إنما هو تعريف العقل الّذي هو مناط التكليف.
وقد اختلفت عبارات المتكلمين فيه :
فقال بعض المعتزلة : العقل ما يعرف به قبح القبيح ، وحسن الحسن. بناء على فاسد أصولهم ، إن الحسن ، والقبح وصف ذاتى (١) يمكن تعقله لا من جهة / الشارع ؛ وسيأتى إبطاله (٢).
ومنهم من قال بناء على هذا الأصل أيضا : العقل هو ما يميز بين خير الخيرين ، وشر الشرين.
وفيه احتراز عن البهائم ؛ فإنها وإن ميزت بين الخير والشر ؛ فلا تميز بين خير الخيرين ، وشر الشرين.
وقالت الخوارج (٣) : العقل ما عقل به عن الله أمره ، ونهيه.
وفيه تعريف العقل بالتعقل ؛ وهو أخفى من العقل. كيف ويخرج عنه العاقل الّذي لم تبلغه دعوة الشارع بأمر ، ولا نهى ، أو بلغه. غير أنه ما يعقل أمره ، ولا نهيه ؛ فإنه عاقل ، وله عقل ؛ مع أنه ما عقل أمر الله ، ولا نهيه.
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) في ب (بطلانه) انظر المسألة الأولى : في التحسين والتقبيح ل ١٧٥ / أوما بعدها.
(٣) الخوارج : هم الذين خرجوا على الإمام على رضى الله عنه حين رضى التحكيم في خلافه مع معاوية ، وهم عشرون فرقة يجمعها القول بتكفير على ، وعثمان ، وأصحاب الجمل ، والحكمين ، وكل من رضى بما صنع الحكمان. كما يجمعون على وجوب الخروج على الإمام الجائر ، وقد قاموا بحروب كثيرة بسبب هذا المبدأ ، كما أن معظمهم يقول بتكفير مرتكب الكبيرة. أما عن فرقهم وآرائهم بالتفصيل فانظر (مقالات الإسلاميين ١ / ١٦٧ ـ ٢١٢ والفرق بين الفرق ص ٢٤ ، ٧٢ ـ ١١٣ والملل والنحل ١ / ١١٤ ـ ١٣٨).