وأما أصحابنا :
فمنهم من قال : العقل هو العلم ـ ولهذا يقال لمن (١) علم شيئا : عقله ، ومن عقل شيئا : علمه (١). وهو اختيار أبى إسحاق الأسفرايينى.
وهو غير سديد ؛ فإنه إن أراد به : كل علم ؛ فيلزم منه : أن لا يكون عاقلا من [فاته (٢)] بعض العلوم ، مع كونه محصلا لما عداه. وإن أراد بعض العلوم ؛ فالتعريف غير حاصل ؛ لعدم التمييز. وما ذكر (٣) من الاستدلال ؛ فغير صحيح ؛ لجواز أن يكون العلم مغايرا للعقل ؛ وهما متلازمان.
ومنهم من قال : إنّه غريزة يتوصل بها إلى المعرفة. وهو إن أراد بالغريزة العلم : فيلزمه ما لزم الأول. وإن أراد [بها] (٤) غير العلم : فقد لا نسلم وجود أمر وراء العلم يتوصل به إلى المعرفة ؛ وهو مما تعسر الدلالة عليه.
والّذي اختاره القاضى : (٥) أنّ العقل بعض العلوم الضّرورية : كالعلم باستحالة اجتماع الضّدين ، وأنه لا واسطة بين النفي والإثبات ، وأن الموجود لا يخرج عن أن يكون قديما ، أو حادثا ، (٦) وأن الجبال المعهودة لنا ثابتة ، والبحار غير غائرة (٦) ، ونحوه.
وقد احتج إمام الحرمين (٧) على صحة اختيار القاضى ، وإبطال ما عداه ، بطريقة جامعة مانعة ـ في زعمه ـ فقال : العقل موجود ؛ فإنه لو كان نفيا محضا ؛ لما اختص به ذات دون ذات. وإن كان موجودا : فإما أن يكون قديما ، أو حادثا.
__________________
(١) في ب (لمن عقل شيئا علمه ، ومن علم شيئا عقله).
(٢) في أ (قام به).
(٣) في ب (وما ذكره).
(٤) في أ (به).
(٥) انظر الإرشاد للجوينى ص ١٥.
(٦) من أول (وأن الجبال ...) ساقط من ب.
(٧) انظر الإرشاد للجوينى ص ١٥ ، ١٦.