كيف وأنا نجيب عن التّشكيك الأوّل : بأنّ القضية البديهيّة ما يصدق العقل بها من غير توقّف على أمر خارج عن مفرداتها ؛ بل مهما (١) علمت المفردات بأىّ طريق كان ، بادر العقل [بالنسبة] (٢) الواجبة لها من غير توقف على أمر آخر ، فتعقل القضية البديهية بعد أن لم تكن معقولة في مبدأ النشو ، إنما كان لتوقّفها على كمال آلة الإدراك للمفردات ، وهى غير كاملة في مبدأ النشو فإذا كملت ، وحصل بها إدراك المفردات ؛ بادر العقل بالنسبة الواجبة لها ؛ وذلك لا يوجب خروجها عن كونها بديهية.
وعن التشكيك الثّاني : بمنع وقوع الغلط ، والتّشكيك في المحسوسات التى هى أصول البديهيات. فإنّ المحسوسات التى هى أصول البديهيات ما لا يكذبها (٣) العقل ، وما أورده من المحسوسات ؛ فالعقل مكذب لها.
وعن الثالث : بمنع كون (٤) النّفي غير بديهى ، وإن اختلف فيه. وإن لم يكن بديهيا ؛ فلا يمنع ذلك عند تعقّله من مبادرة العقل بالنسبة بينه وبين الإثبات من غير توقف على أمر خارج ؛ فلا تخرج القضية بذلك عن كونها (٥) بديهيّة.
وعن الرابع : بمنع التساوى في الجزم بين البديهيّات ، وما ذكر ؛ فإن الجزم في البديهيات مع الجزم باستحالة مخالفة المجزوم (٦) به عقلا ، وفي غيرها عادة.
وعن الخامس : أنه ليس من شرط البديهى أن لا يخالف أصلا ؛ بل شرطه أن لا يخالفه أكثر العقلاء ، وكل ما خالفه أكثر العقلاء ؛ فلا يكون بديهيا.
والجواب عن الشبهة الثانية : أنّ الطلب لما هو معلوم من وجه ، ومجهولا من وجه : أعنى معلوما بالقوة ، ومجهولا بالفعل. وذلك قد يكون عند كون الإنسان عالما بقضية كلية ، وهو جاهل بما هو داخل تحتها بالجزئية ، أو هو عالم به ؛ لكنه غافل عن الارتباط الواقع بينهما.
__________________
(١) في ب (متى).
(٢) في أ (بالشبهة).
(٣) في ب (يكذبه).
(٤) في ب (أن يكون).
(٥) في ب (أن تكون).
(٦) في ب (البديهيات باستحالة المجزوم).