الثالث : هو أن الأمر بالنظر وإيجابه إيجاب لما لا يتم النظر إلا به ، ولا يتم / النظر في معرفة الله ـ تعالى ـ إلا مع عدم المعرفة ؛ لأن النظر مضاد للعلم بالمنظور فيه ؛ فلا يجامعه. فإيجاب النظر المؤدى إلى معرفة الله ـ تعالى ـ ؛ يكون إيجابا لما لا يتم إلا به : وهو عدم المعرفة ؛ وذلك محال.
الرابع : هو أن وجوب النّظر : إما أن يكون معلوما بالضرورة ، أو بالنظر.
لا جائز أن يقال بالأول ؛ لما سلف في العلم بالمعرفة.
وإن قيل بالثانى ؛ فلا معنى لايجاب النّظر ؛ إذ للموجب عليه أن يقول : لا أعرف وجوب النظر ، حتى أنظر ، ولا أنظر حتى أعرف وجوب النظر ؛ وهو دور [ممتنع (١)].
سلمنا أن النّظر واجب ؛ ولكن لا نسلم صحّة انحصار مدرك الوجوب في الشّرع ؛ فإن ذلك مما يفضى إلى إفحام الرسل ، وسقوط حجج الأنبياء عليهمالسلام ؛ وذلك لأن الرسول ، إذا ادّعى النبوة ، وأظهر المعجزة ، ودعا إلى النّظر فيها لقصد الاستدلال على صدقه ؛ فللمدعو أن يقول : لا أنظر حتى يجب على النظر ، ووجوب النظر متوقف على استقرار الشرع ، واستقرار الشرع موقوف على النظر في المعجزة ؛ وهو ممتنع من ثلاثة أوجه :
الأول : أنه يلزم منه الدّور ؛ حيث توقف النظر على استقرار الشرع ، [وتوقف استقرار الشرع (٢)] على النظر.
الثانى : أنّ النّظر إذا توقف على استقرار الشّرع ، واستقرار الشرع متوقف على النظر ؛ فيكون النظر متوقفا على نفسه.
الثالث : أنه إذا توقف النظر على استقرار الشّرع ، فهو متوقف على ما لو (٣) عرف ؛ لاستغنى به عن النظر ؛ وهو دافع للنظر. (٤)
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) ساقط من أ.
(٣) ساقط من ب.
(٤) زائد في ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).