وإما بطريق السلوك والرياضة ، وتصفية النفس وتكميل جوهرها ، حتى تصير متصلة بالعوالم العلوية عالمة بها ، مطلعة على ما ظهر وبطن من غير احتياج إلى دليل ، ولا تعلم ، ولا تعليم. على ما سيأتى تحقيقه في النبوات (١).
سلمنا أنه لا طريق إلى معرفة الله ـ تعالى ـ إلا بالنظر ؛ ولكن لا نسلم أن ما لا يتم الواجب إلا به ؛ فهو واجب.
ويدل عليه أنه لا تحقق للمعرفة دون وجود الدليل المنصوب عليها ، وانتفاء الأضداد المانعة منها ، وأن يكون العارف بها موجودا ، حيا ، عاقلا. وليس شيء من ذلك واجبا ، لعدم القدرة عليه.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على وجوب النّظر ؛ لكن معنا ما يدل على أنه ليس واجبا.
وبيانه من أربعة أوجه.
الأول : أنه لم ينقل عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولا عن الصحابة. الخوض في النظر والاستدلال في مسائل الكلام ، وتفاصيلها. ولو خاضوا في ذلك ؛ لنقل عنهم : كما نقل عنهم الخوض والبحث في المسائل الفقهية على اختلاف أصنافها ، ولو كان النظر المؤدى إلى ذلك واجبا ؛ كان الصحابة والتابعون ، أولى بالمحافظة عليه ؛ فحيث لم ينقل عنهم ذلك ؛ دلّ على أنه غير واجب.
الثانى : إنكار النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على البحث في هذه المسائل والنظر فيها ؛ حيث أنكر على الصحابة وقد رآهم يتكلمون في القدر وقال : «إنّما هلك من كان قبلكم ؛ لخوضهم في هذا (٢)» وقال أيضا : «عليكم بدين العجائز (٣)». وهو الكف عن النظر. إلى غير ذلك ، وتابعه على ذلك : الصحابة ، والتابعون ، والأئمة المجتهدون. والأخبار المأثورة عنهم في ذلك أكثر من أن تحصى.
__________________
(١) انظر الجزء الثانى من الأبكار ١٢٨ / أوما بعدها.
(٢) الموجود بهذا اللفظ. «إنما هلك من كان قبلكم لسؤالهم أنبياءهم واختلافهم عليهم ، ولن يؤمن أحد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره» عن عمرو رضى الله عنه. المعجم الكبير للطبرانى.
(٣) «عليكم بدين العجائز» قال السخاوى : لا أصل له بهذا اللفظ. وورد بمعناه أحاديث لا تخلو عن ضعف. [انظر الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة. المعروف بالموضوعات الكبرى للملا على القارى. ط المكتب الإسلامى ط ٢ سنة ١٩٨٦ ص ٢٤٨] وانظر ما ذكره الآمدي عنه في ل ٢٩ / أ.