الوجه الثانى : هو أنّا نعلم أنه ما من عصر من الأعصار من زمن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والصحابة (١) إلى زمننا هذا. إلا وفيه العوام ، ومن لا علم له بالله ـ تعالى ـ وذاته وصفاته على ما يليق [به] (٢) عن بديهة ، ولا نظر ؛ لعدم أهلية النظر والاستدلال في حقهم وهم أكثر الخلق في كل عصر ؛ بل غاية الموجود في حقهم مجرد الإقرار باللسان ، والتقليد المحض الّذي لا يقين فيه. ومع ذلك فالنبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والصحابة والأئمة من كل عصر حاكمون بإسلامهم قاضون بإيمانهم ، مقرون لهم على ذلك ؛ بل وقد كانوا يقرون من يعلم بالضرورة عدم اعتقاد المسائل الغامضة في حقه ؛ كدقائق مسائل الصفات ، وغيرها [مما لا خطور لها] (٣) بذهنه. فضلا عن كونه معتقدا لها.
ولو كانت المعرفة بالله ـ تعالى ـ واجبة شرعا ؛ لما جاز من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والصحابة والأئمة ، الإقرار على تركها ، وإهمال التوصّل إلى تحصيلها ، وإن (٤) سمى مسم الاعتقاد (٤) التقليدى علما ؛ فلا منازعة معه / في غير التسمية.
سلمنا وقوع الإجماع على وجوب معرفة الله ـ تعالى ـ ولكن لا نسلم صحة إفضاء النظر إلى وجوبه ؛ فضلا عن كونه متوقفا عليه. وبيانه ما سبق من إنكار النظر (٥).
سلمنا صحة إفضاء النظر إليه ، ولكن (٦) لا نسلم أنه لا طريق إلى معرفة الله ـ تعالى ـ إلا النظر ، والاستدلال ؛ بل امكن حصولها بطريق آخر :
إما بأن يخلق الله ـ تعالى ـ للمكلف العلم بذلك من غير واسطة. وإما بأن يخبره به من لا يشك في صدقه : كالمؤيد بالمعجزات القاطعة.
__________________
(١) في ب (وأصحابه).
(٢) ساقط من أ.
(٣) الموجود في أ (ما لا خطور لها) ، ب (مما لا خطور له).
(٤) في ب (فان سمى مسم للاعتقاد).
(٥) انظر ل ١٩ / أوما بعدها.
(٦) نقل ابن تيمية ما ذكره الآمدي ـ في مسألة وجوب النظر ـ لما ذكر حجة الخصم «إنا لا نسلم أنه لا طريق» إلى قوله «ولا تعلم ولا تعليم» في كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٧ / ٣٥٦) ثم ذكر جواب الآمدي على الخصوم ، وأيده واستشهد به في ص ٣٥٧. راجع ما سيأتى في هامش ل ٢٨ / أ.