و «من خرج عن الجماعة ، وفارق الجماعة قيد شبر ؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» ، و «من فارق الجماعة ومات ، فميتته جاهلية (١)» إلى غير ذلك من الأخبار. وهذه أخبار مرويّة في الكتب الصحاح ، منقولة على لسان الثقات لم يوجد لها نكير (٢).
فإن قيل : يحتمل أنه أراد بذلك العصمة عن الكفر ، أو عن بعض أنواع الخطأ ، وبتقدير أن يريد به العصمة عن الكل ؛ فظاهر لفظ الأمة لكل من آمن به إلى يوم القيامة. ونحن نقول بأن إجماع هؤلاء يكون حجة.
قلنا : أما الأول : فهو تأويل ، وتخصيص بغير دليل ، مع أن في الأخبار ما يدرأ هذه التأويلات ، حيث أنه أوردها في معرض تخصيص هذه الأمة بالتعظيم ، والتمييز ، وفي الحمل على بعض أنواع الخطأ ، ما يبطل فائدة هذا التخصيص ، لمشاركة بعض آحاد الناس لهم في ذلك.
وأما الثانى : فنعلم أنه ما أراد به كل الأمة على ما ذكروه ، ـ ولهذا ندب إلى موافقة الجماعة ، وذمّ على المخالفة ، وتواعد عليه. ولو كان المراد بالجماعة كل الأمة ؛ لما تحقق ذلك إلى يوم القيامة ؛ بل إنما أراد من يتصور منه الموافقة والمخالفة : وهم أهل الحل والعقد دون الصبيان ، والمجانين ، ومن ليس له أهلية الموافقة ، ولا المخالفة.
قولهم : إن الخطأ متصور على كل واحد منهم حالة الانفراد.
قلنا : الحكم الثابت للأفراد ، لا يلزم أن يكون ثابتا للجملة. /
__________________
(١) ورد في ب (من فارق الجماعة قامت قيامته جاهلية).
(٢) وقد أورد السيوطى بعضها في الجامع الصغير بلفظ (إن الله تعالى قد أجار أمتى أن تجتمع على ضلالة) عن أنس ورمز له بالضعف ، ولم يذكر من خرجه. انظر الجامع الصغير ج ١ حديث رقم ١٧٦٠. وبلفظ (إن الله تعالى لا يجمع أمتى على ضلالة ويد الله على الجماعة من شذ شذ في النار) أخرجه الترمذي عن ابن عمر ، ورمز له السيوطى بالحسن. الجامع الصغير ج ١ رقم ١٨١٨. تحقيق محمد محى الدين ـ المكتبة التجارية.
وقد أورد الآمدي هذه الأحاديث في كتابه الإحكام ص ١٦٢ ، ١٦٣ مقدما لها بقوله : «وأما السنة وهى أقرب الطرق في إثبات كون الإجماع حجة قاطعة ، فمن ذلك ما روى أجلاء الصحابة ، كعمر ، وابن مسعود ، وأبى سعيد الخدرى ، وأنس بن مالك ، وابن عمر ، وأبى هريرة ، وحذيفة بن اليمان ، وغيرهم. بروايات مختلفة الألفاظ متفقة المعنى في الدلالة على عصمة هذه الأمة عن الخطأ ، والضلالة.