أما الأولى : فلأن الخصم قد يمنع توقف الدخول في الوجود على سابقة الترجيح (١) ، وأنه لا معنى للترجيح إلا الدخول في الوجود دون العدم ، وكذلك بالعكس.
وعند هذا : فلا يكون الترجيح (٢) سابقا على الوجود ؛ ليلزم ما (٣) قيل من الدور (٣).
كيف وأنه لو كان الترجيح سابقا على الوجود / ؛ لكان صفة لغير الوجود حتى لا يفضى إلى الدور كما قرر. ولو كان كذلك ؛ لكان الموصوف به هو الراجح ، لا نفس الوجود ؛ وهو محال.
وأما الثانية : فإنما يلزم أن لو كان حصول الرجحان مستندا إلى ذات الممكن ، وأما إذا لم يكن مستندا إليها ، ولا إلى غيرها ؛ فلا.
والحق في ذلك أن يقال : إذا ثبت أن الوجود والعدم بالنسبة إلى ذات الممكن متساويان ؛ فاحتياج وقوع أحد المتساويين إلى المرجح معلوم بالضرورة ؛ ولهذا فإن العاقل إذا رأى موضعا خليا عن العمارة والأبنية المرتفعة ، ثم رآه مشغولا بها بعد ذلك ، أو رأى صنعة محكمة ؛ فإن عقله يضطره إلى العلم بوجود سبب موجب لذلك. ولو جاز في العقل وجود أحد الجائزين دون الآخر من غير مرجح ؛ لما كان كذلك. وهذا مما لا يجد أحد من العقلاء في نفسه مخالفته ، ولا مناكرته.
وعلى هذا : فما أوردوه من الشبه ؛ فحاصله يرجع إلى التشكيك في البديهيات ؛ وهو غير مقبول.
وعلى تقدير القبول ؛ فنجيب عن كل ما ذكروه.
قولهم : تأثير المؤثر فيه : إما في حال وجوده ، أو في حال عدمه.
قلنا : بل في حال وجوده ، لا بمعنى أنه أوجده (٤) بعد وجوده. حتى يقال بتحصيل الحاصل ؛ بل بمعنى أنه لو لا المؤثر ؛ لما كان موجودا في الحال (٥) التى فرض كونه موجودا فيها.
قولهم : لو احتاج إلى المؤثر في وجوده ؛ لاحتاج إلى المؤثر في عدمه.
__________________
(١) فى ب (الترجح فإنه لا معنى للترجيح)
(٢) فى ب (الترجح)
(٣) فى ب (من الدور ما قيل)
(٤) فى ب (أوجد)
(٥) فى ب (الحالة)