وقد ترجم الملك الناصر عن هذا الإعجاب بطريقة عملية ؛ فعند ما تولى الملك «تقدّم سيف الدين عنده التّقدم العظيم ، ومال بكليته إليه ، وأعطاه ثمانية آلاف درهم اشترى بها جوسقا (١) ، وبستانا». وقد بادله الآمدي الإعجاب ، والتقدير ؛ فصنّف له ـ بناء على طلبه ـ كتابا سماه (فرائد القلائد) على حسب اقتراحه.
ثالثا : عهد الملك الأشرف [٦٢٦ ه ـ ٦٣١ ه] ١٢٢٩
م ـ ١٢٣٣ م
تولّى الملك الأشرف حكم دمشق بعد أن سلمها له أخوه الملك الكامل بعد أخذها من ابن أخيه الملك الناصر ، وتعويضه عنها بالكرك ، وما معها من البلاد (٢) ؛ وذلك بعد صراع طويل بين الإخوة : المعظم عيسى من جانب ، وبين الملك الكامل ، والأشرف من جانب آخر. ثم استطاع الكامل ، والأشرف التغلّب على ابن أخيهما الملك الناصر بعد موت والده الملك المعظم بعامين كما سيأتى.
وكان عهد الأشرف من أسوأ العهود التى عاشها الآمدي بدمشق ؛ لأنّ الأشرف قد تعقب رجال المعظم عيسى ، وابنه الناصر ، واضطهدهم ، وحاول إلصاق التهم بهم ؛ لكى يغطى على فعلته الشنيعة من تسليمه بيت المقدس للصليبيين سنة ٦٢٦ ه حتى يتفرغ للاستيلاء على دمشق من ابن أخيه ـ والتى نجح في الاستيلاء عليها سنة ٦٢٦ ه ، وكان الملك الكامل قد اتفق مع الصليبيين على تسليمهم بيت المقدس إن هم عاونوه ضد أخيه الملك المعظم صاحب دمشق ، وبالفعل حضر الامبراطور (فردريك) لمعاونة الكامل حسب اتفاقهما.
ولكن بعد موت المعظم ـ الرجل القوى ـ أراد الكامل أن ينقض اتفاقه مع (فردريك) ؛ لأنّه لم يجد مبررا له ، خاصة والنّاصر صاحب دمشق لا يستطيع الصمود أمامه ؛ ولكن (فردريك) أصرّ على تسلم بيت المقدس ؛ وتمّ له ما أراد بعد أن سلمها له الكامل ، والأشرف سنة ٦٢٦ ه ؛ ليتفرغا لحصار دمشق ، والاستيلاء عليها من ابن اخيهما الملك الناصر داود (٣) ؛ وبالطبع استغل الملك الناصر ورجاله هذه الحادثة في التشنيع على الملك الكامل ، والملك الأشرف.
__________________
(١) الجوسق لفظ فارسى معناه القصر.
(٢) مفرج الكروب ٤ / ٢٥٦ وما بعدها.
(٣) عن تسليم القدس للصليبيين انظر مفرج الكروب ٤ / ٢٤١ ـ ٢٤٦.