وإن كان الثانى : وهو أن يكون المؤثر في الوجود غير ماهية واجب الوجود ، فوجود واجب الوجود ، مستفاد له من غيره ، وكل ما استفاد وجوده من غيره ؛ فليس واجبا لذاته.
وهذه المحالات : إنما لزمت من كون وجوده زائدا على ذاته ؛ فلا يكون زائدا.
وهذه الحجة ضعيفة ؛ إذ لقائل أن يقول : ما المانع من كون الوجود الزائد على الماهية واجبا لنفسه؟
قولكم : لأنه مفتقر إلى الماهية ، والمفتقر إلى غيره ، لا يكون واجبا لنفسه (١). لا نسلم أن الواجب لنفسه ؛ لا يكون مفتقرا إلى غيره ؛ بل الواجب لنفسه : هو الّذي لا يكون مفتقرا إلى مؤثر فاعل ، ولا يمتنع أن يكون موجبا لنفسه.
وإن كان مفتقرا إلى القابل / ؛ فإن الفاعل الموجب بالذات ؛ لا يمتنع توقف تأثيره على القابل. وسواء كان اقتضاؤه بالذات لنفسه ، أو لما هو خارج عنه. وهذا كما يقوله الفيلسوف في العقل الفعال ؛ فإنه موجب بذاته للصور الجوهرية ، والأنفس الإنسانية ، وإن كان ما اقتضاه لذاته متوقفا على وجود الهيولى القابلة.
وإن سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون ممكنا ؛ ولكن لا نسلم أن حقيقة الممكن هو المفتقر إلى المؤثر ؛ بل الممكن هو المفتقر إلى الغير. والافتقار إلى الغير ؛ أعم من الافتقار إلى المؤثر. وقد تحقق ذلك بالافتقار إلى الذات القابلة (٢).
سلمنا أنه لا بدّ من مؤثر ؛ فلم قلتم بامتناع كون الذات هى المؤثرة؟
قولكم : إنها قابلة ، وفاعلة ؛ مسلم ؛ ولكن لم قلتم بامتناع ذلك في البسيط الواحد؟ فإن القبول ، والفعل غير (٣) خارج عن (٣) النسب والإضافات ، ولا مانع من اتصاف البسيط الواحد بنسب مختلفة : كاتصاف الوحدة التى هى مبدأ العدد : بأنها نصف الاثنين ، وثلث الثلاثة (٤) [وربع الأربعة] (٤) ، وهلم جرا.
__________________
(١) فى ب (لذاته)
(٢) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية في كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٢٣٧ ـ ٢٣٩) ثم علق عليه وناقشه.
(٣) فى ب (عن خارج غير)
(٤) ساقط من (أ)