والّذي يخص الفيلسوف أن يقال :
ما المانع من أن تكون القابلية والفاعلية باعتبار صفات لا توجب التعدد والتكثر في ذات البسيط الواحد ، ولا توجب التسلسل؟ كما قلتم في صدور الكثرة عن المعلول الأول لذات واجب الوجود. فإنكم قلتم : الصادر عنه : عقل ، ونفس ، وجرم : هو جرم الفلك الأقصى ؛ وذلك باعتبارات متعددة ؛ لضرورة أن الواحد ـ عندكم ـ لا يصدر عنه إلا واحد (١).
فإن كانت هذه الاعتبارات صفات وجودية ، وأمورا حقيقية ؛ فقد ناقضتم مذهبكم في قولكم : الواحد (٢) لا يصدر عنه إلا واحد (٢).
وإن لم تكن هذه الاعتبارات صفات وجودية ، ولا موجبة للتكثر ، ولا (٣) للتسلسل (٣) ؛ فما المانع من كون الذات الواحدة قابلة ، وفاعلة بمثل هذه الاعتبارات؟
وأما الوجه الثانى : في بيان امتناع كون الذات مؤثرة ؛ فلا (٤) مخرج (٤) عنه ، وإلا لجاز إسناد الأمور الحادثة إلى ما ليس بموجود ، ولا معدوم ، وبطل القول بوجوب واجب الوجود.
وإنما الطريق في الرد على هذه الحجة بالاقتصار على هذه الإشكالات السابقة.
فإن قيل : فكما يمتنع تأثير الذات في الوجود ؛ لما فيه من افتقار الوجود إلى الوجود ، فيمتنع أن تكون / الذات قابلة للوجود ؛ لأن القابل للوجود ، لا بدّ وأن يكون موجودا ؛ وفيه افتقار الوجود إلى الوجود.
قلنا : لا نسلم أنه يلزم من ضرورة كون الفاعل للوجود موجودا ، أن يكون القابل للوجود موجودا ؛ بل شرطه أن يكون ثابتا ، والثابت أعم من الموجود.
وأما القائلون بأن الوجود زائد على ذاته ؛ فقد احتجوا بحجج :
الأولى : قالوا : لا خفاء بصحة قول القائل : ذات واجب الوجود موجودة.
__________________
(١) فى ب (الواحد)
(٢) فى ب (إن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد)
(٣) فى ب (والتسلسل)
(٤) فى ب (فلا محيص)