ولما لم تكن ملكة البصر بالتفسير المذكور ثابتة للحجر ، لا يقال له أعمى ولا بصير. ومن خواص هذا التقابل : جواز انقلاب الملكة إلى العدم ، ولا عكس.
وعلى [هذا] (١) إن أريد بالتقابل هاهنا تقابل التناقض بالسلب والإيجاب : وهو أنه لا يخلو من كونه سميعا ، وبصيرا ، ومتكلما ، أو ليس ؛ فهو ما يقوله الخصم ، ولا يقبل نفيه من غير دليل.
وان أريد بالتقابل تقابل المتضايفين : فهو غير متحقق بين البصر ، والعمى ، والسمع ، والطرش ، ونحوه.
ثم وإن كان من قبيل تقابل التضايف ؛ فلا يلزم من نفى أحد المتضايفين ؛ ثبوت الآخر ؛ بل ربما انتفيا معا.
وإن أريد بالتقابل تقابل الضدين : فإنما يلزم أن لو كان واجب الوجود قابلا لتوارد الأضداد عليه ؛ وهو غير مسلم. وإن كان قابلا فلا يلزم من نفى أحد الضدين وجود الآخر ؛ لجواز اجتماعهما في العدم ، ووجود واسطة بينهما. ولهذا يصح أن يقال : البارى تعالى ليس بأسود ، ولا أبيض.
وإن أريد بالتقابل تقابل العدم ، والملكة : فلا يلزم أيضا من نفى الملكة تحقق العدم ، ولا بالعكس ؛ إلا في محل يكون قابلا لهما ؛ ولهذا يصح أن يقال : الحجر لا أعمى ، ولا بصير. والقول بكون البارى تعالى قابلا للبصر والعمى ؛ دعوى محل النزاع ، والمصادرة على المطلوب.
وعلى هذا : فقد امتنع لزوم العمى ، والخرس ، والطرش في حق الله تعالى ، من ضرورة نفى البصر ، والسمع ، والكلام عنه (٢).
وأما المعتزلة (٣) :
فإنهم قالوا في إبطال إلحاق الغائب بالشاهد في هذه الصفات : أن هذه الأحكام ؛ وهى العالمية ، والقادرية ، والمريدية ، ونحوها ؛ واجبة لله ـ تعالى ـ ، والواجب لا يفتقر
__________________
(١) ساقط من (أ).
(٢) انتهى ما نقله ابن تيمية عن الآمدي في كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٣٥ ، ٣٦). ثم علق عليه وناقشه.
(٣) انظر شرح الأصول الخمسة ص ١٧٢ ، ١٩٩ ـ ٢٠١ للقاضى عبد الجبار.