الثانى : أن النظر لا بدّ من إسناده إلى العلوم الضرورية على ما تقدم في قاعدة النظر. والعلم الضرورى في حق الله ـ تعالى ـ ممتنع ؛ لما تقدم.
الوجه الثانى : أن العلم القائم بذاته ـ تعالى ـ : إما أن يكون هو نفس الذات ، أو زائدا عليها.
فإن كان الأول : فلا صفة. كيف : وأنه يلزم أن تكون الذات صفة قائمة بمحل ؛ ضرورة / أن العلم صفة.
وإن كان زائدا على الذات : فإما قديم ، أو حادث.
فإن كان حادثا : لزم قيام الحوادث بذات الرب ـ تعالى ؛ وهو محال. كما يأتى (١). ثم الكلام في افتقار ذلك العلم الحادث في افتقاره إلى علم آخر ، كالكلام في الأول (٢) ؛ وهو تسلسل ممتنع.
وإن كان قديما : فالقدم أخص وصف الإله ـ تعالى ـ ويلزم من ذلك تعدد الآلهة ؛ وهو محال.
الوجه الثالث : هو أن العلم : إما عبارة عن انطباع صورة المعلوم في النفس ، أو عن نسبة ، وإضافة بين العالم ، والمعلوم.
فإن كان الأول : فهو ممتنع لأمرين :
الأول : أنه يلزم منه أن تكون ذاته الرب ـ تعالى ـ مركبة ؛ لانطباع (٣) صور المركبات فيها. إذا علمها ؛ لأن المطابق للمركب ؛ مركب.
الثانى : أنه يلزم منه أن تكون ذاته عند العلم بالحوادث ، محلا لحلول صور الحوادث فيها ؛ وهو محال. كما يأتى (٤).
وإن كان نسبة وإضافة : فالنسبة بين الشيئين تتوقف على تحقق ذينك الشيئين ؛ ضرورة كونها صفة لهما ، والصفة متوقفة على الموصوف. فلو توقف إيجاد الرب ـ تعالى ـ للحوادث على تعلق علمه بها ؛ للزم الدور ؛ وهو ممتنع.
__________________
(١) انظر ل ١٤٥ / ب وما بعدها.
(٢) فى ب (العلم الأول).
(٣) فى ب (ضرورة انطباع).
(٤) انظر ل ١٤٦ / أوما بعدها.