ودليل هذا التأويل من ثلاثة أوجه : الأول :
أنه لو حمل على الأمر حقيقة ؛ لكان أمرا للمعدوم ؛ وهو محال.
الثانى : أنه يكون أمرا للمخاطب بالكون ؛ وهو غير مقدور له ، والتكليف بالمحال ؛ محال.
الثالث : أنه لو كان الكون بالأمر لاستغنى عن القدرة ، أو كان هو القدرة ؛ وهو محال.
سلمنا أنه أراد به الأمر حقيقة ، ولكن ما المانع من كونه حادثا؟ والتسلسل إنما يلزم أن لو كانت الآية عامة في كل شيء حادث ، وليس كذلك ؛ فإن لفظ الشيء في الآية نكرة في سياق الإثبات ، والأصل فيها الخصوص.
ولهذا لو قال رأيت رجلا ؛ فإنه لا يعم كل رجل. بخلاف النكرة المنفية ، أو ما هى في سياق النفى. كما إذا قال : ما رأيت رجلا ؛ فإنه يعم.
سلمنا أنها ظاهرة في العموم ، وأنها تدل على القدح من الوجه المذكور. غير أنها تدل على حدوث الأمر من جهة اللغة ، والمعنى.
أما من جهة اللغة : فمن ثلاثة أوجه : الأول :
أنه قال إذا أردناه. ، وإذا ظرف زمان خاص بالمستقبل. ولهذا لو قال القائل : إذا جاء زيد فأكرمه ، فإنه يختص بالاستقبال ؛ فالأمر المقترن به يكون مستقبلا ، والواقع في الاستقبال ؛ لا يكون إلا حادثا.
الثانى : أنه قال : (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وأن الخفيفة الناصبة للفعل المضارع ؛ إذا اتصلت به ، خلصته للاستقبال.
ولهذا لو قال القائل لغيره : أريد أن تفعل كذا ، يمحص للاستقبال ؛ والمستقبل لا يكون إلا حادثا.
الثالث : هو أنه رتب التكوين عقيب قوله : (كُنْ) بفاء التعقيب ؛ وهى مقتضية للترتيب من غير مهلة ، وكل ما لا يتقدم عل الحادث ، ولا بينه وبينه مهلة ؛ فهو حادث.