وقوله ـ تعالى ـ : (نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (١). وأما قوله ـ تعالى ـ : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (٢). فيحتمل أنه أراد به فعله من الثواب ، والعقاب ، ونحوه ؛ فإن الأمر قد يطلق بإزاء الفعل. كما قال ـ تعالى ـ : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) (٣) : أى فعلنا ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) (٤) : أى فعله. ويحتمل أنه أراد به الأمر القولى المركب من الحروف ، والأصوات دون مدلوله. وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (٥) ؛ فالمراد بالجعل التسمية : أى سميناه بذلك ؛ فإن الجعل قد يطلق بمعنى التسمية ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٦) : أى يسمونه كذبا. وقوله ـ تعالى ـ (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٧) : أى سموهم بذلك.
ويحتمل أنه أراد به القرآن : بمعنى القراءة دون مدلولها ؛ فإن القرآن قد يطلق بمعنى القراءة. ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام : «ما أذن الله لشيء (٨) إذنه لنبىّ حسن التّرنّم بالقرآن» (٩) : أى القراءة.
ومنه قول الشاعر :
ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به |
|
يقطّع اللّيل تسبيحا وقرآنا (١٠) |
أى قراءة.
وأما الأخبار : فيجب حملها على الدلائل دون المدلولات ، وهى الحروف والأصوات ؛ لما فيه من الجمع بين الدليلين.
قولهم : إن الأمة مجمعة على أن القرآن مؤلف من الحروف والأصوات.
__________________
(١) سورة الزمر ٣٩ / ٢٣.
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ / ٣٧.
(٣) سورة القمر ٥٤ / ٥٠.
(٤) سورة هود ١١ / ٩٧.
(٥) سورة الزخرف ٤٣ / ٣.
(٦) سورة الحجر ١٥ / ٩١.
(٧) سورة الزخرف ٤٣ / ١٩.
(٨) فى أ (لبنى).
(٩) هذا الحديث أورده البيهقى في الأسماء والصفات (ص ٢٦٢) وقال :
(رواه البخارى ومسلم في الصحيح عن ابراهيم بن حمزة وأخرجه مسلم من وجه آخر).
(١٠) هذا البيت من شعر حسان بن ثابت ـ شاعر الرسول عليه الصلاة والسلام ـ قاله في رثاء عثمان بن عفان.
انظر (ديوان حسان بن ثابت) نشر دار صادر. بيروت سنة ١٩٦١ ص ٢٤٨.