كيف وأنه يتعذر أن يكون الكلام حرفا بلا صوت ؛ فإنا لا نعقل للحرف معنى غير مقاطع الصوت ، ويتعذر أن يكون الكلام صوتا بلا حروف ؛ إذ لا تمييز له عن صوت دوى الرعود ، ونقر الطبول ، ونحوه.
وإن لم يكن من جنس الكلام اللسانى ؛ فليس بمعقول. وما ليس بمعقول ؛ لا سبيل إلى إثباته.
الثانى : أنه لو كان متصفا بصفة الكلام : فإما أن يكون ذلك الكلام قديما ، أو حادثا.
لا جائز أن يكون حادثا : وإلا كان الرب ـ تعالى ـ محلا للحوادث ؛ وهو محال.
وإن كان قديما : فهو ممتنع لوجوه (١) ثلاثة (١).
الأول : أن الكلام منقسم إلى : أمر ، ونهى ، وخبر ، واستخبار ، ووعد ووعيد ، ونداء ؛ وذلك يجر إلى إثبات قديمين فصاعدا ؛ وهو ممتنع ؛ لما فيه من تعدد الآلهة كما سبق.
الثانى : أنه يفضى إلى الكذب في الخبر في قوله ـ تعالى ـ (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) (٢). وقوله ـ تعالى ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) (٣). (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ) (٤) ، ونحو ذلك من حيث إن الخبر قديم ، والمخبر عنه حادث.
الثالث : أنه يلزم منه أن يكون أمرا (٥) ، ونهيا ، وخبرا ، واستخبارا ، أو وعدا ، ووعيدا ، ونداء (٥) ، ولا مأمور ، ولا منهى ، ولا مخبر ، ولا مستخبر عنه ، / ولا موعود ، ولا متواعد ، ولا منادى ؛ وذلك كله محال ؛ لما فيه من منافاة الحكمة ، ولزوم السفه.
قولكم : ولو لا ذلك لما تحقق معنى الطاعة ، والعبودية لله ـ تعالى ـ ولا (٦) معنى الرسالة ، والتبليغ ؛ ليس كذلك ؛ إذ أمكن أن يقال : بأن صحة الطاعة ، والعبودية لله ـ تعالى (٦) ـ يستند إلى التسخير ، والوقوع على وفق الإرادة والاختيار على ما سبق في
__________________
(١) فى ب (لثلاثة أوجه).
(٢) سورة نوح ٧١ / ١.
(٣) سورة البقرة ٢ / ٥٤.
(٤) سورة الصف ٦١ / ١٤.
(٥) فى ب (له أمر ونهى وخبر واستخبار ووعد ووعيد).
(٦) من أول (ولا معنى الرسالة ...) ساقط من ب.