وهذا الاستشهاد ، والإطلاق دليل صحة إطلاق الكلام على ما في النفس / ولا نظر إلى كونه أصليا فيه ، أو فيما يدل عليه. أو فيهما.
كيف وأن حاصل النزاع هاهنا إنما هو فى قضية لغوية ، وإطلاقات لفظية ، ولا حرج فيها بعد فهم المعنى.
قولهم : المعقول من الصفات النفسانية ، غير خارج عن القدرة ، والإرادة ، والتمييز. ليس كذلك.
وبيانه : هو أنه إذا قال القائل لعبده : افعل كذا ؛ فالذى يجده من نفسه مدلولا لصيغته ليس هو الإرادة ، ولا القدرة ، ولا التمييز ؛ بل معنى آخر.
أما أنه ليس هو الإرادة ؛ فلأن الإرادة التى هى مدلول صيغة الأمر : إما أن تكون هى إرادة الفعل ، والامتثال ، أو إرادة إحداث الصفة ، أو إرادة جعل الصيغة دالة (١) على الأمر على ما هو مذهبهم.
لا جائز أن يكون هو إرادة الفعل ، والامتثال ؛ فإن الأمر قد يوجد بدون إرادة الفعل ، وبيانه من وجهين :
الأول : هو أن الإجماع منعقد على أن من علم الله ـ تعالى أنه لا يؤمن : كأبي جهل ، وغيره أنه مأمور بالإيمان ، ولم يرد منه وقوع الإيمان ، والامتثال ؛ فإن تعلق إرادة البارى ـ تعالى ـ بفعل ما علم أنه لا يقع محال.
الثانى : هو أن من الأفعال ما هو مأمور [به] (٢) بالإجماع : كالصلاة ، والزكاة ، والحج ، ونحو ذلك من العبادات الخمس. وقد لا يكون مرادا ؛ لكونه غير واقع. ولو تعلقت به الإرادة ؛ لاستحال أن لا يتخصص ؛ فإنه لا معنى لتعلق الإرادة بالفعل ، غير تخصيصه بزمان حدوثه ، فلا يعقل التعلق من غير تخصيص.
وقد احتج الأصحاب في ذلك بوجهين آخرين.
__________________
(١) فى ب (دلالة).
(٢) ساقط من أ.