الأول : أن السيد المعاتب من جهة السلطان على ضرب عبده. إذا اعتذر بأنه يخالف أمره. وأمره بين يدى السلطان ؛ لتحقيق عذره. فإنا نعلم أنه لا يريد منه الامتثال ؛ لما فيه من ظهور كذبه ، وتحقق عتاب السلطان له. ومع ذلك ؛ فإن أهل العرف يعدونه آمرا ، ويعدون العبد مطيعا ، بتقدير الفعل. وعاصيا ، بتقدير الترك. ولو لم يكن أمرا ، لما تمهد عذره. ولما عدّ العبد مطيعا ، وعاصيا. بتقدير المخالفة ، والفعل.
وبه يندفع قول القائل : إنه موهم بالأمر ، وليس بآمر ؛ وهو مع أنه تمسك في أمر عقلى ، بأمر عرفى ، وإطلاق لغوى ؛ فهو لازم على أصحابنا في اعتقادهم أن الأمر هو / الطلب ، واقتضاء الفعل. فإنا كما نعلم أن العاقل لا يريد ما يظهر به كذبه ، ويتحقق به عقابه ؛ فكذلك نعلم أن العاقل لا يطلب ما فيه ذلك ، ومع ذلك ، فهو أمر بدون الطلب ؛ فكما هو لازم على اعتقاد الخصم كون الأمر هو إرادة الفعل ؛ فهو لازم على أصحابنا في اعتقادهم : أن الأمر طلب الفعل.
الوجه الثانى : ما اشتهر من قصة إبراهيم الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أمره بذبح ولده مع عدم تعلق الإرادة بوقوع الذبح ، لعدم وقوعه ؛ على ما سلف بيانه.
وما يقال من أن ذلك كان (١) مناما ، لا أمرا. وأن (٢) تعلق الأمر لا يكون (٢) إلا بالعزم على الذبح ، أو الانكاء ، وإمرار السكين ، أو أن الذبح مما وقع ، واندمل الجرح.
ولهذا قال ـ تعالى ـ : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) (٣) فمندفع ؛ فإن أكثر الوحى إلى الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ. إنما كان بجهة المنام ، ولو لم يكن ذلك بطريق الوحى ، وإلا كان إقدام النبي على فعل محرم بما لا أصل له ؛ وذلك محال.
وحمل الأمر على غير الذبح. من العزم ، أو الإنكاء ، وإمرار السكين ؛ باطل. وإلا لما صح تسميته بالبلاء ؛ إذ لا بلاء فيه ، ولا تسمية الذبح فداء مع وقوع المأمور به.
وبه يندفع القول بتحقيق وقوع الذبح ، واندمال الجرح ، وهو وإن كان من الظواهر المغلبة على الظن ؛ فبعيد عن اليقين.
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) فى ب (أو أن تعلق الأمر لم يكن).
(٣) سورة الصافات ٣٧ / ١٠٥.