هذا إن قيل : هو إرادة للفعل ، ولا جائز أن يكون عبارة عن إرادة إحداث الصيغة ؛ فإنه ليس مدلولا لها ؛ فإن مدلولات أقسام الكلام مختلفة ، ولا اختلاف في إرادة إحداث الصيغة.
ولا جائز أن يكون عبارة عن إرادة جعل الصيغة دالة على الأمر لثلاثة أوجه :
الأول : أنه تصريح بأن الإرادة وراء الأمر الّذي هو مدلول قوله : افعل ، وأمرتك ، وأنت مأمور.
الثانى : أن كل عاقل يقضى بأن قول القائل : افعل. ليس ترجمة عن إرادة جعله دالا على شيء مخصوص.
الثالث : أنّ كل عاقل يجد من نفسه بقاء ما دل عليه قوله : افعل ، وأن عدم لفظه ، وإرادة جعله دالا على شيء ما.
وأما أنه يمتنع أن يكون هو القدرة : فلأن القدرة على ما سبق عبارة عن معنى يتأتى به الإيجاد بالنسبة إلى كل ممكن. والأمر ، والنهى لا يتعلق بكل ممكن ؛ فإن الطاعات ممكنة ، ولا يتعلق بها النهى. والمعاصى / ممكنة ، ولا يتعلق بها الأمر.
فإذن القدرة أعم من الأمر من هذا الوجه. والأمر عند القائلين بجواز التكليف (١) بما لا يطاق (١) أعم من القدرة من جهة أخرى. وهو تعلقه بالممكن ، وغير الممكن.
وإن قيل : إنه عبارة عن القدرة على التكلم ؛ فكل عاقل يجد من نفسه وجدانا ضروريا أن مدلول قوله : افعل ، ولا تفعل. وكذا في سائر أقسام الكلام ؛ ليس هو القدرة على التكلم ؛ بل (٢) غيره (٢).
وأما أنه لا يمكن تفسيره بالعلم ، أو بضرب منه. من حيث أن العلم أعم من الأمر ؛ إذ هو قد يتعلق بما لم يتعلق به الأمر : كالمعاصى ، وبما (٣) لا يتعلق (٣) به الأمر : كالطاعات ؛ فلا يكون الأمر هو نفس العلم.
__________________
(١) فى ب (تكليف ما لا يطاق).
(٢) فى ب (بل هو غيرها).
(٣) فى ب (ولا يتعلق).