كيف : وإن كل عاقل يجد من نفسه : أن مدلول قوله : افعل ولا تفعل ، وراء كل ما يقدر من أنواع العلوم ؛ فقد بأن أن مدلول الصيغ الدالة خارج عن المعلوم ، والقدرة ، والإرادة ، وذلك هو المطلوب.
قولهم : إنه حديث النفس ؛ ليس كذلك لوجهين :
الأول : هو أن تحدث النفس بالعبارات التى تصور الحروف والكلمات الدالة ، لا تتصور مع عدم العبارات اللسانية. حتى إنا لو قدرنا إنسانا ما عرف لغة ، ولا خطرت له العبارات اللسانية ببال ؛ فإنه لا يتصور في نفسه شيئا من ذلك. وما يلزم من ذلك اختلال المعانى التى يمكن التعبرة عنها بالعبارات اللسانية من الطلب ، والاقتضاء ، وغيره من المعانى ؛ فلا يكون لديه حاضرا عندنا.
الثانى : هو أن ما نتصوره من الحروف ، والكلمات. غير حقيقية ؛ بل اصطلاحية مختلفة باختلاف الاصطلاحات في الأعصار ، والأمم ؛ ولهذا يجوز أن يحدث نفسه بعبارات مختلفة : كالعربية ، والعجمية ، ونحوهما ، وما يجده في (١) نفسه من مدلولات (١) هذه العبارات متحد لا يختلف ، ولا يتبدل.
قولهم : ما المانع أن يكون ذلك الكلام النفسانى بحروف وأصوات؟
قلنا : إن قيل إنه بحرف ، وصوت : كحروفنا ، وأصواتنا ؛ فلا شك في كونه حادثا ؛ ضرورة أن الحروف مقاطع الصوت ، وكل واحد فله أول وآخر ، ولا يتصور اجتماع حرفين منهما معا ؛ بل على التعاقب والتجدد.
فعند وجود الحرف الأخير ، ينعدم الأول. وعند وجود الأول ؛ فالأخير لا يكون موجودا ، وذلك ظاهر مستغن عن / الإطناب فيه.
فلو قيل : ثبوت مثل ذلك لله ـ تعالى ـ يلزم منه أن يكون محلا للحوادث ؛ وهو محال ؛ كما يأتى (٢).
__________________
(١) فى ب (من نفسه من مدلول).
(٢) انظر ل ١٤٦ / أ.