ويقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية «لم يكن أحد في وقته أكثر تبحرا في العلوم الكلامية ، والفلسفية منه ، وكان من أحسنهم إسلاما ، وأمثلهم اعتقادا» (١)
ولكنهم مع ذلك حاولوا النيل منه من جانب آخر ؛ ووجهوا إليه الكثير من التهم.
مما سبق يتضح لنا المكانة العلمية المرموقة التى بلغها الإمام الآمدي. والتى اعترف بها معاصروه من أصدقائه ، وخصومه على حد سواء.
وأقول : لقد كان الإمام الآمدي ـ رحمهالله ـ فقيها ، محدثا ، وقد بلغ مكانة مرموقة في كلا الفنين ؛ فقد كان مدرسا للفقه في أكبر مدرسة في العالم الإسلامى ، كما كان محدثا ؛ ولكنه لم يترك مؤلفات فيهما كما سبق. ثم اشتغل بالخلاف والجدل ، وصنف فيهما سبعة كتب ، ثم بأصول الفقه الّذي صنف فيه أربعة كتب ، ثم ألف في المنطق ، والفلسفة ثمانية كتب ، ثم كانت مؤلفاته الكلامية التى بلغت الغاية.
فهو اذن قد بدأ بالتقليد ، والحفظ شيمة الفقهاء والمحدثين في هذا العصر ، ثم عند ما ارتقى تفكيره بحث في المسائل الخلافية ، واجتهد في بعض الأمور الجزئية. ثم عند ما تثبتت أقدامه ، وأصبح أهلا لمرتبة أعلا اشتغل بالأصلين أصول الفقه الّذي يبحث في أصول المسائل الفرعية ، وقبل أن يتهجم على أصول العقيدة أعد نفسه بالتعمق في العلوم العقلية. وبعد أن تسلّح بكل هذه الأسلحة ، وتدرّع بكل تلك الدروع ؛ أصبح أهلا للبحث في المسائل الاعتقادية التى بلغت مؤلفاته فيها الغاية ؛ بل إن منها ما اعتبر بحق أهم مؤلف في أصول الدين : وهو كتاب (أبكار الأفكار).
فهو اذن لم يقف عند المرحلة الأولى كما وقف خصومه ؛ وإنما تعداها إلى مراحل أعلا تحتاج إلى مؤهلات خاصة كانت متوفرة لديه ، وأوصلته إلى المكانة المرموقة التى بلغها ، فقد وصفه معاصروه ، وتلاميذه ، والمنصفون من المؤرخين بصفات يتضح منها ذكاؤه المفرط ، وفصاحته ، وتواضعه الجم ، وحسن خلقه ، ورقة شمائله ، وحسن اعتقاده ، وسماحته حتى مع خصومه ، وقد أهله كل ذلك لإمامة عصره ، والعصور التالية.
__________________
(١) نقض المنطق لابن تيمية تحقيق ـ محمد عبد الرزاق وآخرين. طبع السنة المحمدية بالقاهرة ـ الطبعة الأولى سنة ١٩٥١ م.