المشفة ، وكل ما قيل وما وقع من ذلك ملازما للإدراك ؛ فليس إلا بحكم جرى العادة : كالرى عند شرب الماء ، والشبع عند أكل الخبز ، ونحوه ، وحيث لم يكن العقب (١) ، أو اليد ، أو غيرهما (١) من الأعضاء مبصرة ، ولا سامعة ، ولا شامة ، ولا ذائقة ، فليس لعدم صلاحيتها لذلك ؛ بل لأنه الله ـ تعالى ـ لم يخلق له آلة الإدراك ؛ وهذا أصل مطرد عند أهل الحق من أصحابنا في سائر الإدراكات.
وربما قيل في إبطال ما ذكروه من نقل الصوت بالهواء إلى صماخ الأذن : أنه لو كان كذلك ؛ لما أدركنا جهته ، كما لا ندرك جهة الملموس لما كان إدراكه بالوصول إلى الحاسة اللامسة ؛ وهو بعيد ؛ إذ المدرك بالسمع : إنما هو الصوت ، لا نفس حصوله (٢) من تلك (٢) / الجهة ؛ بل (٣) ذلك (٣) إنما يكون بغير السمع.
وأما النقض بباقى الإدراكات ؛ فقد سبق جوابه في مسألة إثبات الصفات بجهة العموم (٤).
كيف : وأنا لا نمنع اتصاف الرب تعالى بباقى الإدراكات على ما ذهب إليه القاضى أبو بكر من أصحابنا ؛ فإنه قال : الرب ـ تعالى ـ موصوف بالإدراكات الخمس ، ودليله ما هو دليل السمع ، والبصر.
قولهم : لا نسلم خروج الإدراك عن أجناس العلوم.
قلنا : قد اختلف أصحابنا في ذلك.
فمنهم من قال : إنه من أجناس العلوم.
ومنهم من قال : إنه خارج عن أجناس العلوم ، وهو اختيار القاضى رحمهالله.
وأما نحن فنقول :
قد بينا فيما تقدم الاختلاف بين العالم ، والمدرك ؛ فإذا كان العالم : من قام به العلم ، والمدرك : من قام به الإدراك ؛ فيجب أن يكون العلم ، والإدراك مختلفين ضرورة ؛ وهو المطلوب.
__________________
(١) فى ب (العقب والرجل واليد أو غيرها).
(٢) (صوته من تلك).
(٣) فى ب (بل إدراكه لذلك).
(٤) راجع ما سبق ل ٥٨ / ب.