وأما الاختلاف : هل اختلاف نوع ، أو جنس؟ فمما لم يظهر لى بعد.
قولهم : إنه لا يتصور أن يدرك المدرك شيئا ، ولا يعلمه ؛ غير مسلم. وإن سلم ؛ فالتلازم لا يدل على الاتحاد.
قولهم : الإدراك والعلم قد اشتركا في أنهما لا يؤثران في متعلقهما.
قلنا : والاشتراك (١) في هذا الأمر ، أو فى غيره لا يدل على الاتحاد أيضا ؛ لجواز اشتراك المختلفات في لازم واحد. ويدل على ذلك أن الكلام لا يؤثر في متعلقه : كالعلم ؛ وهما مختلفان.
فإن قيل : قد بينتم اختلاف الإدراكات ، وأنها مخالفة لأنواع العلوم ، وما يجوز على الله ـ تعالى ـ منها ، وما لا يجوز ، فهل الإدراكات منحصرة في الإدراكات الخمسة أم لا؟
قلنا : ذهبت الفلاسفة : إلى أن الإدراكات عشرة على ما حققناه في قاعدة العلم (٢).
وأما أصحابنا ، فمتفقون على الإدراكات الحاصلة بالحواس الخمسة الظاهرة. واختلفوا في الإحساس بالألم ، واللذة ، والفرح ، والغم ، ونحوه ، هل هو من قبيل الإدراكات ، أو العلوم؟
فذهب كثير من الأصحاب : إلى أنه من قبيل العلوم.
والّذي ارتضاه القاضى : أنه إدراك سادس. محتجا على ذلك بأن العلم يتعلق بما مضى من الآلام ، والإحساس بالألم غير متعلق بما مضى ؛ وذلك لا / يدل على خروجه عن أنواع العلوم ؛ لجواز أن يكون متعلق البعض منها مما لا يتعلق به البعض الآخر ، كما قيل في الإدراكات المختلفة النوع.
والحق في ذلك : أن الإحساس بالألم ، واللذة ؛ مخالف لباقى الإدراكات ، ومخالف لباقى أنواع العلوم من حيث أن الإحساس بالألم واللذة ، ونحوه ، لا يتعلق بما يتعلق به غيره من العلوم : كالعلم بما مضى من الآلام ، وغيرها من الموجودات.
__________________
(١) فى ب (فالاشتراك).
(٢) انظر ل ١٢ / أ.