وأما فى الملموسات : فما نجده من الحس بحرارة النار عند القرب منها ، وبرد الثلج عند القرب منه من غير اتصال.
وهو غير سديد ؛ إذ أمكن أن يقال : سبب الذوق ؛ إنما هو نفوذ طعم الحنظل في المسام البدنية إلى الحلق. وفي الشم بسبب ما يحمله الهواء من الأجزاء اللطيفة من ذى الرائحة إلى المشم ، حتى إنه لو كان المشموم في شيء لا مساس فيه ، وهو مسدود سدا مهندما ؛ لما أدركت رائحته ، أو أن ذلك بسبب خلق الله ـ تعالى ـ الرائحة في الهواء المجاور لذى الرائحة الواصل إلى المدرك ، وكذلك فإن المدرك حره ، وبرده عند القرب من النار ، والثلج ؛ إنما هو حر الهواء المسخن بالنار ، وبرد الهواء المبرد بالثلج ؛ بل الأقرب في دفع ما قيل من الفرق أنه وإن وجد الإدراك لهذه الأمور عند الاتصالات ؛ فليس إلا بحكم جرى العادة.
وأما أن يكون ذلك شرطا في الإدراك فلا. على ما بيناه في مسألة السمع والبصر [لله (١) تعالى (١)].
ثم ما ذكروه وإن كان ظاهرا في الإدراك بالذوق (٢) ، واللمس (٢) ؛ فغير ظاهر في السمع والشم.
وعلى هذا فإن قلنا بتعلق كل إدراك بكل موجود على ما هو مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى ؛ فليس ذلك مما يوجب اتحاد الإدراك كما في العلم ؛ إذ ليست جهة التعلق في الكل واحدة ؛ بل مختلفة على ما يجده كل عاقل من نفسه عند إدراكه للشىء بالسمع ، والبصر ، وغير ذلك من الإدراكات. وهذا بخلاف العلم ؛ فإن جهة تعلقه بجميع المعلومات واحدة ؛ وهو معرفة المعلوم على ما هو عليه ، وذلك مما لا يختلف فيه تعلق العلم بالشيء وضده ؛ فلذلك كانت الإدراكات مختلفة دون العلم. واتحاد المتعلق ؛ مع اختلاف جهة التعلق ؛ لا يوجب اتحاد الإدراكات بدليل العلم ، والقدرة ، والإرادة ؛ فإنها لما اختلفت جهة تعلقها ؛ كانت مختلفة. وإن كان متعلقها واحدا ، ومما يتصل بهذه المقدمة إدراك الأكوان باللمس.
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) فى ب (باللمس والذوق).