تغميض العين ؛ فكذلك حالة فتحها. ولو (١) كان رائيا في إحدى الحالتين دون الأخرى ؛ لأحس بالفرق ضرورة ؛ هذا ما يتعلق بالرؤية.
وأما باقى الإدراكات : فعلى أصل الشيخ (٢) أبى الحسن أن المصحح للإدراك هو الوجود. فكما أن الرؤية عامة لكل موجود ؛ فكذلك كل إدراك يعم كل موجود.
وذهب عبد الله بن سعيد ، والقلانسى (٣) ، وكثير من أصحابنا : إلى أن باقى الإدراكات لا تعم كل موجود ؛ بل إدراك السمع يختص بالأصوات ، والشم بالروائح ، والذوق بالطعوم ، واللمس بالحرارة ، والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة ، وما يتركب من هذه الكيفيات الملموسة ؛ مصيرا منهم إلى أنه لا علة جامعة بين جميع المرئيات على وجه يطرد ، وينعكس غير الوجود.
وأما في إدراك السمع فقالوا : العلة المصححة له الجامعة لجميع أنواع المسموعات على وجه يطرد ، وينعكس ؛ إنما هو الصوت وفي إدراك الشّم الرائحة ، وفي إدراك الذوق الطعم. وفي إدراك اللمس ؛ الكيفية الملموسة. وهو ظاهر بين ؛ ولعله الأظهر.
وربما قيل في تحقيق الفرق بين الرؤية ، وباقى الإدراكات : أن الرؤية لا تستدعى اتصال المرئى بالمدرك بخلاف باقى الإدراكات ؛ فإنها / لا تتم دون اتصال المدرك بالمدرك ؛ فلذلك خصت ولم تعم.
وقد أجاب عنه بعض الأصحاب : بأن الاتصال في باقى الإدراكات غير معتبر.
أما الطعم : فلأن من دلّك أسفل قدميه بالحنظل مرارا ؛ أحس بالمرارة في حلقه مع عدم الاتصال.
وأما في الرائحة : فما نراه (٤) من شم المسك الأزفر على بعد من غير اتصال.
__________________
(١) فى ب (فلو).
(٢) فى ب (شيخنا).
(٣) القلانسى : ت في حدود سنة ٣٣٥ ه أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد القلانسى ، من متكلمى أهل السنة في القرن الثالث ، وزادت تصانيفه في الكلام على مائة وخمسين كتابا ، وقد تأثر بابن كلاب ، وصار على نهجه ، وهو من الأعضاء البارزين في المدرسة الكلابية التى تأثر بها الإمام الأشعرى.
(انظر الملل والنحل ١ / ٩٣ وتبيين كذب المفترى ٣٩٨ ونشأة الفكر الفلسفى ١ / ٣٧٤ ـ ٣٨٤).
(٤) فى ب (نجده).