قولهم : إنه لا يلزم أن يكون المعلق على الممكن ممكنا على ما قرروه ؛ ليس كذلك ؛ فإنه لو قدر وجود الشرط فإن لم يوجد المشروط كان تعليق الوجود على الموجود ممتنعا ، وإن وجد المشروط ؛ فهو المطلوب.
وأما ما ذكروه من المعارضة بقوله ـ تعالى ـ (لَنْ تَرانِي) فمندفع لأربعة أوجه :
الأول : أنا لا نسلم أن لن للتأبيد ؛ بل للتأكيد ؛ بدليل قوله ـ تعالى ـ : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) (١) مع أنهم يتمنونه في الآخرة.
الثانى : أنها وإن كانت للتأبيد ؛ ولكن يحتمل أنه أراد به عدم الرؤية في الدنيا ، وهو الأولى لأن يكون الجواب مطابقا لسؤال موسى عليه الصلاة والسلام ، وهو لم يسأل الرؤية في غير الدنيا.
الثالث : أنها وإن دلت على التأبيد مطلقا ، فغايته انتفاء وقوع الرؤية ، ولا يلزم منه ، انتفاء الجواز.
الرابع : وإن دل على انتفاء الجواز من الوجه الّذي ذكروه غير (٢) أنه يدل على الجواز من (٣) حيث أنه أحال (٣) انتفاء الرؤية على عجز الرائى وضعفه عن الرؤية بقوله : (لَنْ تَرانِي). ولو كانت رؤيته غير جائزة ؛ لكان الجواب لست بمرئى كما لو قال : أرنى أنظر إلى صورتك ، ومكانك ؛ فإنه لا يحسن أن يقال : لن ترى صورتى ، ولا مكانى ؛ بل لست بذى صورة ، ولا مكان.
وقول موسى عليهالسلام (تُبْتُ إِلَيْكَ) مما لا ينهض شبهة في جواز خطابه ، وجهله بجواز الرؤية لوجهين :
الأول : هو أن التوبة قد تطلق بمعنى الرجوع ، وإن لم يتقدمها ذنب. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (تابَ عَلَيْهِمْ) (٤) : أى رجع عليهم بالتفضل / والإنعام.
__________________
(١) سورة البقرة ٢ / ٩٥.
(٢) فى ب (على).
(٣) فى ب (من جهة أنه حال).
(٤) سورة التوبة ٩ / ١١٨.