وأيضا : فإنه أخذ الإدراك في حدّ العلم ، والإدراك ـ على أصله ـ نوع من العلم ؛ وتعريف الجنس بنوعه ممتنع. ثم لا حاجة إلى الزيادة وهى : على ما هو به ؛ كما تقدّم.
قال الأستاذ أبو بكر بن فورك (١) : العلم ما صحّ بوجوده من الّذي قام به إتقان الفعل وإحكامه.
وهو باطل ؛ فإنّه إن أراد به ما يصحّ به إحكام الفعل وإتقانه بطريق الاستقلال ؛ فهو محال ، فإنّ إتقان الفعل كما يتوقّف على العلم ، يتوقّف على القدرة. وإن أراد به أنّه يتوقّف عليه الإتقان ولا يستقلّ به ؛ فيلزم عليه القدرة ؛ فإنّها أيضا كذلك ؛ وليست علما.
وأيضا : فإنّ الواحد منّا له علم ، وهو غير مؤثّر في إتقان فعل من الأفعال القائمة به ، ولا الخارجة عنه ؛ إذ هو غير موجد لهما على أصلنا.
وقد قيل في إبطاله أيضا : إنّ العلم قد يكون بما لا يصحّ به إتقانه [كعلم (٢)] الواحد منا بنفسه وبالله تعالى ، وبالمستحيلات ؛ فإن ما تعلق به ليس فعلا ، ولا ممّا يصح إتقانه [به (٣)] وإنما يلزم هذا الإبطال أن لو قيل : العلم هو ما يصحّ به إتقان كلّ ما يتعلق به. وأما إذا أريد به ما يصحّ به في الجملة إتقان الفعل ، فلا.
وقال الشيخ أبو القاسم الأسفرايينى (٤) : العلم ما يعلم به.
وفيه أيضا : تعريف العلم بما هو أخفى منه.
__________________
(١) فى ب (وقال الأستاذ وابن فورك).
الأستاذ أبو بكر بن فورك : محمد بن الحسن بن فورك : المتكلم ، الأصولى ، الأديب ، النحوى ، الواعظ. من متكلمى الأشاعرة ، له تصانيف كثيرة في أصول الدين ، وأصول الفقه توفى سنة ٤٠٦ ه.
(انظر وفيات الأعيان ٣ / ٤٠٢ والأعلام ٦ / ٣١٣ ومعجم المؤلفين ٩ / ٢٠٨).
(٢) فى أ (لعلم).
(٣) كلمة (به) ساقطة من (أ).
(٤) أبو القاسم الأسفرايينى :
هو أبو القاسم عبد الجبار بن على بن محمد بن حسكان الأسفرايينى الإسكافى ، المتوفى سنة ٤٥٢ ه ، كان تلميذا لأبى إسحاق الأسفرايينى ، وكان من كبار المتكلمين الآخذين بمذهب الأشعرى ، وكان يشتغل بالمناظرة والتدريس والفتوى.
من أهم تلاميذه إمام الحرمين الجوينى.
(انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكى ٣ / ٢٢).