ثم لو كانت العلوم كلها ضرورية ؛ لما ساغ الخلاف فيها من الجمع الكثير من العقلاء ممّن تقوم الحجة بقولهم ، ولما وجد واحد من نفسه الخلوّ عنها.
وعلى هذا أيضا : يبطل قول من فصل بين العلوم المتعلقة بالإله ـ تعالى ـ وصفاته ، والاعتقادات الصّحيحة ، وبين غيرها.
ومن قال بكون العلم ضروريّا ـ مع حصوله عن النّظر ـ فلا نزاع معه في غير التّسمية ، فإنا لا نعنى بكونه مقدورا وغير ضرورى ؛ غير كون الطريق المفضى إليه مقدورا للعبد. لا بمعنى أن العلم الحاصل عنه مقدور.
كيف وأنّ معرفة الله ـ تعالى ـ واجبة بالإجماع : إما بالعقل ، أو بالشّرع.
فإن كان بالعقل : فالعقل لا يوجب فعل ما ليس بمقدوره.
وإن كان ذلك بالشرع : فالشّارع أيضا لا يوجب فعل ما ليس بمقدور على ما يأتى ، وكما أنه ليس كل علم ضروريّا ؛ فليس كل علم نظريا. وإلا لزم التسلسل الممتنع ؛ بل البعض ضرورى ، والبعض نظرى ؛ وسيأتى الردّ على شبه منكرى الضّروريّات فيما بعد. (١)
ومن قال بالفرق بين التصور ، والتصديق ؛ فقد احتجّ عليه بحجج (٢) أبطلناها في كتاب دقائق الحقائق (٢).
__________________
(١) انظر ل ١٧ / ب.
(٢) فى ب (بحجج وقد أبطلناها في دقائق الحقائق).
والقائل بالفرق بين التصور ، والتصديق : هو الإمام الرازى. انظر المحصل ص ٣ ـ ٥ وقد نقل الآمدي رأى الرازى المذكور في المحصل بالتفصيل في كتابه دقائق الحقائق في ل ٥ / أ ، ل ٥ / ب. وقد قابلته على ما ورد بالمحصل وتأكد لى صحة نقل الآمدي. الّذي بدأه بقوله : قال بعض المتأخرين : ثم بدأ في نقده ، والرد عليه فقال بعد نقله رأى الرازى بالتفصيل ـ وهذا منه تساهل في التحقيق ، ثم نقده نقدا تفصيليا في ل ٥ / ب ـ ل ٧ / ب.