الفصل الثانى
فى أن المعدوم هل هو معلوم ، أم لا (١)؟
اتفق أكثر العقلاء على أن المعدوم معلوم خلافا لبعض شذوذ المبتدعة فى قوله : إن المعدوم غير معلوم.
وفصل أبو هاشم ، ومتبعوه بين المعدوم الممكن ، والمستحيل. فقال : المعدوم الممكن : معلوم. والمعدوم المستحيل : ليس بمعلوم ؛ مع اعترافه بتعلق العلم به.
وزعم أن العلم المتعلق بالمستحيل ؛ علم لا معلوم له.
وقد احتج المثبتون بأن قالوا : المعدوم : إما أن يقال بجواز تعلق العلم به. أو لا يقال بجوازه. لا جائز أن يقال بالثانى لوجوه ثلاثة :
الأول : أنا نجد من أنفسنا العلم الضرورى بأن النفى والإثبات لا يجتمعان فى شيء واحد من جهة واحدة.
ولو لم يكن العلم متعلقا بكل واحد من المفردين ؛ لاستحال القضاء بالنسبة التصديقية بينهما. وأحد المفردين النفى ؛ فكان العلم متعلقا به.
الثانى : أنا نجد من أنفسنا العلم الضرورى بأنه ليس بين أيدينا جبل شاهق ، ولا بحر زاخر ، وأن الشمس فى الليل غير طالعة ، وأنه لا ألم لنا ولا جوع ، ولا غم ، ولا عناء ، إلى غير ذلك بتقدير عدم كل واحد منها ؛ وذلك مع عدم تعلق العلم به محال.
الثالث : هو أنه قبل حدوث الحادث : إما أن يقال بأن الله ـ تعالى ـ لم يكن عالما بعدمه قبل حدوثه ، أو يقال إنه كان عالما به.
لا جائز أن يقال بالأول : إذ هو كفر صراح.
وإن قيل بالثانى : فهو المطلوب.
وإن قيل بتعلق العلم بالمعدوم : فإما أن يقال : بأن المعدوم من جهة ما تعلق به العلم غير معلوم : كما قاله أبو هاشم فى المعدوم المستحيل الوجود ، أو أنه معلوم.
__________________
(١) انظر الشامل فى أصول الدين للجوينى ص ١٣٧ وما بعدها.
والمواقف للإيجي ص ٥٣ وشرحها للجرجانى ٢ / ١٨٤ وما بعدها.
وشرح المقاصد للتفتازانى ١ / ١٩٢ وما بعدها.