وهذه الأقسام التسعة بعد الأولى إذا تؤمل المعنى فيها وجد راجعا إلى معنى الأولى ومأخوذ منه ؛ لأن مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من غيره كان مولاه دون غيره ، والمعتق لما كان أولى بميراث المعتق من غيره كان مولاه كذلك ، والمعتق لما كان أولى بمعتقه في تحمل جريرته وألصق به ممن أعتقه غيره كان مولاه أيضا كذلك ، وابن العم لما كان أولى بالميراث ممن بعده عن نسبه وأولى بنصرة ابن عمه من الأجنبي كان مولاه لأجل ذلك ، والناصر لما اختصّ بالنصرة فصار بها أولى كان من أجل ذلك مولى ، والمتولي لتضمن الجريرة لما ألزم نفسه ما يلزم المعتق كان بذلك أولى ممن لا يقبل الولاء فصار به أولى بميراثه فكان بذلك مولى ، والحليف لاحق في معناه بالمتولي فلهذا السبب كان مولى ، والجار لما كان أولى بنصرة جاره ممن بعد عن داره وأولى بالشفعة في عقاره فلذلك صار مولى ، والإمام المطاع لما كان له من طاعة الرعية وتدبيرهم وملك التصرف عليهم ما يماثل الواجب بملك الرق كان بذلك مولى.
فصارت جميع تلك المعاني فيما حددناه ترجع إلى معنى الوجه الأول الذي هو الأولى وتكشف عن صحة معناه ، فيما ذكرناه في حقيقته ووصفناه ، فتأمل ذلك ففيه بيان لمن تأمله. فإن قيل : فإذا ثبت أن لفظة (مولى) قد تستعمل مكان الأولى وأنها أحد محتملاتها ، فما الدليل على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد بها يوم الغدير الأولى دون أن يكون أراد بها غيره من الأقسام التي يعبر بها عنها؟ قيل له : مقدمة الكلام التي بدأ صلىاللهعليهوآلهوسلم بذكرها وأخذ إقرار الأمة بها من قوله عليهالسلام : «ألست أولى بكم من أنفسكم» ثم عطف عليها بلفظ يحتملها ويحتمل غيرها دليل على أنه لم يرد بها غير المعنى الذي قررهم عليه من دون إحدى محتملاتها ؛ وأنه قصد بالمعطوف ما هو معطوف عليه ، فلا يجوز أن يرد من الحكيم تقرير بلفظ مقصور على معنى