وفي الفقه عنوان فعل المكلّف ، بينما ليس الأمر كذلك ، بل الموضوع في كل علم يكون مقيّدا بالحيثيّة ، لوضوح انّه في الفقه مثلا لا يبحث عن فعل المكلّف من جميع حيثيّاته كحيثيّة كونه من أي المقولات؟! وكذا الحال في مثل النحو والصرف فانّه يبحث عن حيثيّة الإعراب والبناء في الأول وعن حيثيّة الصحّة والإعلال في الثاني.
اذن فالموضوعات دائما تكون مقيّدة بالحيثيّات ، وما يكون للقيد والحيثية يثبت للمقيّد بها لا محالة ، كما نرى وجدانا ان المقيد بالممتنع يكون ممتنعا ، مثلا الإنسان الفاعل والتارك في آن واحد يكون ممتنعا لامتناع قيده ، والحيثيّات المأخوذة في موضوعات العلوم تكون أمورا انتزاعيّة من موضوعات المسائل.
والأمور الانتزاعيّة كالاعتبارية ـ ولا فرق بينهما فيما نحن فيه وان كان بينهما فرق ، ولعلنا نتعرض لذلك في طيّ بعض المباحث ـ تكون على نحو بسائط ذهنيّة وخارجيّة ، خلافا للجواهر والاعراض.
فان الجوهر يكون مركّبا خارجا من المادّة والصورة ، ولذا نرى بقاء المادّة فيه وانقلاب صورته النوعيّة كما في الكلب الواقع في المملحة ، وهذا يكشف عن تركبه خارجا ويكون مركّبا ذهنا من الجنس والفصل ، فانّ العقل يحلّله إليهما.
والأعراض وان كانت بسائط خارجيّة وغير مركبة من المادّة والصورة ، ولذا لا يعقل بقاء مادّة القيام وتبدد صورته بالعقود ، بل إذا قعد القائم مثلا ينعدم ذاك العرض بأسره ويوجد عرض آخر ، ولكنّها مركبات ذهنيّة ويحللها العقل إلى الجنس والفصل كما هو واضح.
واما الأمر الانتزاعي والاعتباري فهو نحو وجود ضعيف بسيط خارجا وذهنا ، وعليه فيكون المقيّد بالأمر الانتزاعي بسيطا انتزاعيا لا محالة ، ويكون ما به الامتياز فيه عين ما به الاشتراك.
وحيث أنّ الأمر الانتزاعي متّحد مع منشأ انتزاعه بمعنى انه لا وجود للأمر