نفسه.
وبهذا البيان يندفع إشكال اللغوية في أمر العصاة وتكليفهم ، وفي النهي عما يتنفّر عنه الطباع كأكل القاذورات مثلا ، فان الفائدة والغرض المراد من الأمر والنهي ليس إلّا إمكان الداعويّة والزاجريّة ، وهي موجودة فيها.
نعم يبقى إشكال آخر ، وهو انّ إمكان الداعويّة أو الزاجريّة انما يتعلّق به الغرض طريقيا ، وأي فائدة يترتب على إيجاد ما يمكن ان يكون زاجرا عن شيء يتنفّر عنه طبع المكلف في نفسه؟!
والجواب عنه هو انّ فائدته تمكن المكلف من إضافة عمله حينئذ إلى المولى ، وبه يحصل له التقرب وكمال النّفس ، وهو الغرض الوحيد من التشريع.
الوجه الثاني : مما استدل به على أصالة التعبّدية قوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ)(١) ، فانّ ظاهر الآية هو الحصر ، فيستفاد منها انّ جميع الأوامر تعبّدية إلّا ما خرج بالدليل.
وفيه : أولا : انّ تفسير الآية بهذا المعنى يستلزم تخصيص الأكثر ، وهو مستهجن ، فانّ الواجبات أكثرها توصّلية خصوصا الواجبات النظامية المعروفة ، بخلاف العبادات فانها منحصرة في الأمور المعدودة المعروفة ، فلا بدّ وان نفسّر الآية بمعنى لا يلزم منه التخصيص المستهجن وان لم نعرف نحن ذلك المعنى.
وثانيا : انّ الآية أجنبيّة عن التعبّدية رأسا بقرينة صدرها وذيلها كقوله عزّ شأنه : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) إلى آخر الآيات ، فظاهرها التعريض على أهل الكتاب الذين تفرّقوا وابتدعوا البدع من عبادة علمائهم ورهبانهم والسجود إلى قبور أنبيائهم إلى غير ذلك ، فكأنه سبحانه
__________________
(١) البيّنة ـ ٥.