لا يضيع منه شيء والأول أظهر.
قوله سبحانه :
(إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) فيها دلالة على فساد قول المجبرة إنه ليس لله على الكافر نعمة لأن لفظة الناس عامة ويفسد أيضا قولهم في الإرادة وإن جميع ما أعطى الله الكفار إنما هو ليكفروا لا يؤمنوا
فصل
قوله تعالى : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي بغير تقدير من المرزوق ولا حساب منه فالحساب يرجع إلى المرزوق لا إلى الله تعالى كما يقال ما كان كذا وكذا في حسابي أي لم أؤمله قال ابن عباس عني بها أموال بني قريظة وبني النظير أنها تصير إليكم بغير حساب ولا قتال يرزق من يشاء رزقا غير مضيق بل يزيد في السعة على كل عطاء للمخلوقين فيكون نفي الحساب نفيا للتضييق ومبالغة في وصفه بالبيعة وقال قيس بن الحطيم :
ما تمنعي يا نفس قد تؤتينه |
|
في النوم غير مصرد محسوب. |
يرزق من يشاء من طلب المكافأة أو منفعة عائدة إليه بخلاف محاسبة الخلق ففي انتهاء هذه الأمور جاز له أن يرزق بغير حساب وقال قطرب يعني العدد الكثير مما لا يضبطه الحساب أو يأتي عليه العدد لأن مقدوره تعالى لا يتناهى وما في خزائنه لا ينحصر ولا يصح عليه النفاد وليس كالمعطي العشرة من المائة أو المائة من الألف لأن مقدار ما يتسع له ويتمكن منه محدودة متناه ولا انقطاع لما يقدر عليه سبحانه ويعطي عباده في الجنة من النعيم أكثر مما استحقوا وأزيد مما وجب لهم بمحاسبته إياهم على إطاعته كما قال (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ) والمعطي منا غيره شيئا قد يكون له ذلك فيكون فعله قبيحا يؤاخذ به ويحاسب عليه فنفى الله تعالى عن نفسه أن يفعل القبيح وما ليس له أن يفعله بنفي الحساب عنه وإنباء أنه لا يعطي إلا على أفضل الوجوه وأبعدها من الذم وإن الله تعالى إذا أعطى من فضله كان الحساب عن العبد ساقطا من جهة الناس فليس لأحد أن يقول له لم رزقت أو يقول لربه لم رزقته ولا يسأله ربه عن الرزق وإنما يسأله عن إنفاقه في الوجوه التي ينفقه فيها فسقط الحساب من هذه الوجوه عما يرزقه الله المراد بمن يشاء أي يرزقه أهل الجنة لأنه يرزقهم رزقا لا يتناول جميعه الحساب ولا العدد والإحصاء من حيث لا نهاية له ولا انقطاع للمستحق