والتفصيل يكون بعد الإجمال وأما قوله (مُتَشابِهاً) يعني أن جميعها متشابه في حسن النظم وجودة اللفظ وفي الإفادة وفي كونه معجزا وحكمة وغير ذلك وأما قوله (مُتَشابِهاتٌ) أي يتشابه على الخلق فلا يعرفون تأويله والغرض فيه كما قال (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا).
قوله سبحانه :
(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) وفي موضع (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) وفي موضع (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) قال أكثر المفسرين اختلف الأوصاف والقصة واحدة والجمع بينها أن الجان الخفيفة والحية المهيبة والثعبان العظيم الخلقة وقال المحققون حال وصفها بصفة الجان كان في ابتداء النبوة وحال وصفها بصفة الثعبان كانت عند لقائه فرعون فاجتمع لها جسم الثعبان في عظم خلقتها ونشاط الجان بسرعة حركتها وهيئة الحية لهيبتها وهذا أبهر في الإعجاز كما قال (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) أي اجتمع لها صفاء القوارير وشفوفها ورقتها مع أنها من فضة وقالوا لم يرد بذكر الجان في الآية الجنة وإنما أراد أحد الجن في المنظر وأفزاعها ممن يشاهدها ولهذا قال (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) وقال المرتضى العصا لما انقلبت حية صارت أولا بصفة الجان ثم بصفة الثعبان على تدريج ويكون فائدة قوله (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) إخبار عن قرب الحال كقوله (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) مع تباعد ما بين حالتيه وقال الطوسي وفي قلب العصا حية دلالتان دلالة على الله تعالى لأنه مما لا يقدر عليه إلا هو وليس مما يلتبس بإيجاب الطبائع لأنه اختراع للانقلاب في الحال والثاني دلالة النبوة لموافقته المدعوة مع رجوعها إلى حالها الأولى لما قبض عليها.
قوله سبحانه :
(فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) إخبار عن القوم بأنهم كانوا عاصين بأيديهم والمحنق يفرك أنامله ويضرب بإحدى يديه على الأخرى الهاء في الأيدي للكفار المكذبين والهاء التي في الأفواه للرسل ع فكأنهم إذا سمعوا وعظ الرسل أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل مانعين لهم عن الكلام كما يفعل المسكت منا لصاحبه الراد على قوله وقيل الهاءان معا للرسل والمعنى أنهم كانوا يأخذون أيدي الرسل فيضعونها على أفواههم ليسكتوهم وقيل الهاءان جميعا يرجع إلى الكفار لا إلى الرسل فيكون المعنى أنهم إذا