فكأنه قال تعالى فسجد المأمورون كلهم إلا إبليس وهذا الآية لا تدل على أن استثناء الشيء من غير جنسه يكون حقيقة لأن من حق الاستثناء أن يخرج من الكلام ما يتناوله اللفظ دون المعنى وإذا كان من المعنى صار مجازا كاستثناء الدرهم من الدنانير وقول الشاعر : وما بالربع من أحد إلا أواري.
قوله سبحانه :
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) إلا هاهنا بمعنى لكن فكأنه تعالى قال لكن من قتله خطأ فحكمه كذا وكذا وقال أبو هاشم المراد أن مع كونه مؤمنا يقع منه الخطأ ولا يقع منه العمد وقال المرتضى أي ليس له أن يقتل من يعلمه مؤمنا أو يظنه كذلك إلا خطأ وما لا يحصل له أمارة ظن ولا طريقة علم وقد جوز الفقهاء ذلك فيمن يختلط بالكفار من المؤمنين إذا لم يتميز.
قوله سبحانه :
(فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) إلى قوله (هُمُ الْفاسِقُونَ) فلو قال تعالى فاجلدوهم ثمانين جلدة إلا الذين تابوا ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا لكان تطويلا وقد ذكر التوبة عقيب الجمل كلها لأن العرب متى أوردت استثناء عقيب جمل كثيرة من الكلام حذفوا ما استطاعوا فكأنهم ذكروه عقيب كل واحد وقال المرتضى الاستثناء إذا تعقب جملا وصح رجوعه إلى واحدة منها لو انفردت فالواجب تجويز رجوعه إلى جميع الجمل وهو قول الشافعي وتجويز رجوعه إلى ما يليه وهو مذهب أبي حنيفة ثم قال ولا يقطع على ذلك إلا بدليل أو عادة أو أمارة ولا يجب الحكم بالاختصار تبخيتا وتخمينا.
قوله سبحانه :
(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) مشية الله تعالى عقيب الجمل ليس باستثناء ولا بشرط لأنه لو كان استثناء لكان فيه بعض حروف الاستثناء ولو كان شرطا على الحقيقة أو كان فيه لفظ الشرط لما صح دخوله على الماضي تقول أكلت البارحة كذا ثم تقول إن شاء الله وإنما دخلت المشية ليقف الكلام على التفرد والمضي لا لغير ذلك