(٢٣/٦) وقوله (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) قالوا معرفة الله تعالى في الآخرة ضرورة وأهلها ملجئون إلى ترك القبائح فكيف أنكروا الشرك الجواب ليس في ظاهر الآية أن قولهم (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) وقع في الآخرة دون الدنيا فمعناه ما كنا عند نفوسنا مشركين في الدنيا يوضحه قوله (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) يعني في الدنيا أنهم محقون من غير تخصيص بوقت.
قوله سبحانه :
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) قال الفراء الظاهر الاستثناء والتأبيد بمدة السماوات والأرض إلا أن المراد بإلا الزيادة فكأنه قال خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من الزيادة لهم على هذا المقدار كقول القائل إن عليك ألف دينار إلا الألفين اللذين أقرضتكهما وقت كذا فالألفان زيادة على الألف لأن الكثير لا يستثني من القليل ومثله (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) وقوله (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) وقال الجبائي (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من كونهم قبل دخول الجنة والنار في الدنيا وفي البرزخ الذي هو بين الحياة والعرض لأنه لو قال خالدين فيها أبدا ولم يستثن لتوهم متوهم أنهم يكونون في الجنة والنار وقال ابن عباس وقتادة والضحاك ما معناها من كأنه قال إلا من شاء ربك فلا يدخله النار فيكون استثناء من الخلود فكأنه قال إلا ما شاء ربك بأن لا يخلدهم في النار بل يخرجهم عنها وقال الزجاج إن الاستثناء وقع على أن لهم زفيرا وشهيقا إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم تذكر وقال ابن قبة (لَهُمْ فِيها) يعني في النار في حال كونهم في القبور دائمين فيها ما دامت السماوات والأرض فإنها إذا أعدمت انقطع عذابهم إلى أن يبعثهم الله للحساب وقالوا إلا بمعنى الواو والتأويل خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض وما شاء ربك من الزيادة شاعر:
وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان. |
ولا يتعلق إلا بالخلود لأن الاستثناء الأول متصل بقوله (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) وتقدير الكلام لهم فيها زفير وشهيق إلا ما شاء ربك من أجناس العذاب والاستثناء غير مؤثر في النقصان من الخلود والغرض فيه أنه لو شاء أن يخرجهم وأن لا يخلدهم لفعل وأن التخليد أنما يكون بمشيته كما يقول القائل والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وهو لا ينوي إلا ضربه وتعليق