أَعْمى) كناية عن النعم لا عن الدنيا وهو قول ابن عباس (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) عن الإيمان بالله وما أوجبت عليه (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) عن الجنة والثواب يعني إنه لا يهتدي إلى طريقهما ولا شك أن من ضل عن ذلك يكون في القيامة منقطع الحجة مفقود المعاذير ويكون العمى الأول عن المعرفة بالله والثاني بمعنى المبالغة في الأخبار عن عظم ما يناله هؤلاء الكفار من الخوف والغم الذي أزاله الله عن المؤمنين بقوله (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) والعرب تقول لمن اشتد خوفه إنه أعمى سخين العين بضد قرير العين قوله (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) والعمى الأول عن الإيمان والثاني هو الآفة في العين على سبيل العقوبة قوله (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى).
قوله سبحانه :
(فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) قال الجبائي عمومه يقتضي أنه لا يلحقهم خوف في أهوال القيامة وقال ابن الإخشيد لا يدل على ذلك لأن الله تعالى وصف القيامة بعظم الخوف وقال (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ) إلى قوله (شَدِيدٌ) غير ذلك من الشدائد وهذا ليس بمعتمد لأنه لا يمتنع أن يكون هؤلاء خارجين من ذلك العموم وأما الحزن فلا خلاف أنه لا يلحقهم ومن أجاز الخوف فرق بينه وبين الحزن والحزن أنما يقع على ما يغلظ ويعظم من الغم والهم فلذلك لم يوصفوا بذلك وكذلك (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) لأن ما يلحقهم لا يلبث ويزول لأن الحزن مأخوذ من الحزن وهو ما غلظ من الأرض فكأنه ما غلظ من الهم فأما لحوق الخوف والحزن في دار الدنيا فلا خلاف أنه يجوز أن يلحقهم لأن من المعلوم أن المؤمنين لا ينفكون منه.
فصل
قوله تعالى : (لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وفي موضع (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) وفي موضع (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) وفي موضع (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) وقال (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) وفي موضع (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) قال المفسرون في الجمع بين الآيات إن يوم القيامة يوم طويل ممتد فقد يجوز أن يمنعوا النطق في بعض ويؤذن لهم في بعض كما حكى الله تعالى عنهم (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) وقال الحسن وواصل وأبو علي أي لا يكلمهم بما