لما أسلم لأن كمال الدين في كمال الشريعة وذلك إنما يكون بعد نزول القرآن وتقرير العبادات وكان إسلامه في مبتدأ الأمر ولم يؤمر بالصلاة أربع ركعات ولا الأذان إلا المدينة والجمعة كانت في قبا والجهاد بعد سبعة أشهر من الهجرة والصوم بعد سنتين منها والقرآن قد نزل في عشرين سنة فصح مقالنا إنها نزلت في أمير المؤمنين ع في حجة الوداع.
قوله سبحانه :
(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) دال على أن الله تعالى جامع للقرآن وقال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وأول محافظته أن يكون مجموعا منه تعالى وقال (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ) ولفظ الكتاب والقرآن يدلان على كونه مجموعا منه تعالى يقال كتبت الكتيبة وكتبت البغلة وكتبت الكتاب وقريت الماء في الحوض وقرى النمل وأم القرى والقرية وقد ثبت أن النبي ص قرأ القرآن وحصره وأمر بكتابته على هذا الوجه وكان يقرأ كل سنة على جبرئيل مرة إلا السنة التي قبض فيها فإنه قرأ عليه مرتين وإن جماعة من الصحابة ختموا عليه القرآن منهم أبي بن كعب وقد ختم عليه ابن مسعود عشر ختمات وإنه ص فضل كل سورة وذكر فضل قاريها ولو لم يكن مجموعا لما صح هذا كله ثُمَّ إِنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْ أَنَسٍ لَمْ يَحْفَظِ الْقُرْآنَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَبِي وَمُعَاذٌ وَزَيْدٌ وَأَبُو زَيْدٍ. ولم يذكر الثالث فكيف يجمع من لم يحفظ وَقِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع إِنَّ فُلَاناً زَادَ فِي الْقُرْآنِ وَنَقَصَ مِنْهُ فَقَالَ ع أُومِنُ بِمَا نَقَصَ وَأَكْفُرُ بِمَا زَادَ. والصحيح أن كل ما يروى في المصحف من الزيادة إنما هو تأويل والتنزيل بحاله ما نقص منه وما زاد.
قوله سبحانه :
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) قال الكلبي نزل في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان فإن عبد الرحمن جاء إلى النبي بأربعة آلاف صدقة وجاء عثمان بأربعمائة من الإبل بأقنائها وأحلاسها أما الكلبي فهو كذاب عند أهل العلم والآية عامة والتخصيص يحتاج إلى دليل وجيش العسرة كانوا نيفا وثلاثين ألف رجل فكيف يجهز بأربعمائة بعير ولو كان هذا صحيحا لكان النبي ص قد جهز البكاءين بها ولم ينصرفوا خائبين من الجهاد قوله (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) ثم إن