سمعوا إنذار الرسل وضعوا أيديهم على أفواههم مبشرين لهم بذلك إلى الإمساك عنه ومن أراد تسكيت غيره وضع إصبعه على في نفسه المراد فردوا القول بأيديهم أنفسهم إلى أفواه الرسل أي إنهم كذبوهم ولم يصغوا إلى أقوالهم فالهاء الأولى للقوم والثانية للرسل والأيدي إنما ذكرت مثلا وتأكيدا كما يقول القائل أهلك فلان نفسه بيده أي وقع الهلاك به من جهة غيره وقيل المراد بالأيدي النعم وفي محمولة على الباء والهاء الثانية للقوم المكذبين والتي قبلها للرسل والتقدير فردوا بأفواههم نعم الرسل أي ردوا وعظهم على مصالحهم الذي لو قبلوه كان نعما عليهم والهاء التي في الأيدي للكفار لأنها نعم من الله عليهم فيجوز إضافتها إليهم وحمل لفظ في على الباء جائز تقول رضيت عنك ورضيت عليك وقال أبو مسلم المضمرون في أولادهم والمراد باليد هاهنا ما نطق به الرسل من الحجج والبينات التي ذكرهم الله أنهم جاءوا بها قومهم وهو الحجة والسلطان ويمكن أن يجعل الضميران للرسل ع على معنى أنهم لما لم يقبلوا وعظهم وإنذارهم رد الرسل أيديهم إلى أفواه أنفسهم إشارة إلى أنا سكتنا فافعلوا ما شئتم تهديدا وتهويلا.
قوله سبحانه :
(ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) القول عند العرب باللسان وبالقلب ويعنون بذلك الظن والاعتقاد فيقولون أتقول عبد الله خارجا وتقول محمدا منطلقا يريدون معنى تظن شاعر:
أما الرحيل فدون بعد غد |
|
فمتى تقول الدار تجمعنا. |
أراد فمتى تظن الفائدة في قوله بأفواههم أن القول لا برهان عليه وأنه باطل كذب لا يرجع فيه إلى مجرد القول باللسان لأن الإنسان يقول بلسانه الحق والباطل وإنما يكون قوله حقا إذا كان راجعا إلى برهان فيكون إضافة القول إلى اللسان كما يقول القائل لمن يشك في قوله يكذبه هكذا يقول والفائدة في ذلك التأكيد على جهة المجاز كقوله (يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) أي يتلونه على غير جهة الأمر به ولا فرق بذكر الأفواه بين قول اللسان وقول الكتاب.
قوله سبحانه :
(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) والقول لا يكون بغير الفم