وأخبر سبحانه عمّا أرسل به نوحا والنبيّين من بعده في قوله تعالى :
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ) ـ إلى قوله ـ (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ...). (النّساء / ١٦٣ ـ ١٦٥)
وكيف تتمّ الحجّة على الناس إن لم يرسل الرّسل بالدين ويوح إليهم الشريعة الّتي تبين للناس الحلال والحرام والأمر والنهي وأمثالها ، وقد أخبر الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنّه شرع للامم السابقة ما شرع لأمّة محمّد (ص) :
في قوله تعالى :
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ...). (الشورى / ١٣)
وفي هذه الآية أوّلا قال الله ـ سبحانه ـ : شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا وإنّ (وصية الله) في القرآن : بمعنى التشريع ، كما نفهم ذلك من قوله تعالى :
(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). (النّساء / ١١)
تبيّن هذه الجملة وما بعدها في الآية ، ما شرع الله في الإرث ، وبين أنّه شرع في كلّ طبقة من الورّاث للانثى سهما واحدا في مقابل الذّكر الّذي له سهمان ، وعبّر عن هذا التشريع بلفظ (وصّى).
وعلى هذا فإنّ معنى شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا : أنّ الله شرع لنا من الدين وأوحى إلى النبيّ الخاتم (ص) ما شرع لنوح (ع).
وفي قوله تعالى :
(... وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ...). (الشورى / ١٣)