هذه الجملة مفسّرة لقوله تعالى :
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ... رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ). (النّساء / ١٦٣ ـ ١٦٥)
أي : أنّ الله أوحى إلى نبيّنا وإلى الأنبياء السابقين : أن أقيموا الدين. والدين كما ذكرناه آنفا هو مجموعة الأحكام الإلهيّة الّتي شرعها للناس.
وبذلك تتمّ الحجّة على سائر الناس في الامم السابقة. وما فضلت به هذه الامّة هو أنّ الشريعة الّتي نزلت على خاتم الأنبياء (ص) هي أكمل الشرائع وأتمها.
وأمّا ما قالوه : (من أنّ زبور داود هو تذكير ومواعظ ، وإنجيل عيسى هو تمجيد وحضّ على الصفح والإكرام دون غيرها من الأحكام والشرائع ...) (١) ، فإنّ خلوّ زبور داود ، وإنجيل عيسى (ع) من الأحكام والشرائع لا يعني أنّ الله لم يشرع للناس في عصر داود وعيسى الأحكام والشرائع ، وتركهم هملا ـ معاذ الله ـ ، بل لأنّ النبيّين داود وعيسى كانا من القسم الثاني من الأنبياء الّذين لم يأتوا بشريعة جديدة ، وإنّما كانوا يدعون للعمل بشريعة النبيّ السابق عدا ما أحلّ عيسى بن مريم لبني إسرائيل بعض ما حرّم عليهم. وكان النبيّ السابق لهما ، الّذي كانا يدعوان الناس للعمل بشريعته هو موسى بن عمران (ع) ، وإنّ جميع الأنبياء بعد موسى (ع) مثل اليسع وسليمان كانوا كذلك ، يدعون الناس إلى العمل بشريعة موسى بن عمران (ع) حتّى بعث الله خاتم الأنبياء (ص) ، ونسخ بشريعته بعض ما كان في شريعة موسى بن عمران (ع).
كما قال الله في شأن عيسى بن مريم :
__________________
(١) تفسير الطّبري ، ١ / ٢٤ ـ ٢٥.