والجمل بعضها مع بعض في السورة ، وإذا تغيّر شيء من بنائه فقد النغم المحبب إلى النفس.
وهذا أحد وجوه إعجاز القرآن الكريم ، فهو معجز في تشييد مبانيه كما هو معجز في اختيار معانيه ، وهو معجز في جميع جوانبه ، وهو فوق كلام بلغاء العرب كافّة.
فإن لم يؤمن أحد بأنّه وحي إلهي ، فإنّه يقول عندئذ : إنّه من نطق سيّد من صميم قريش أفصح قبائل العرب لسانا ، وقد قال ـ (ص) ـ : «أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش» (١).
وعلى هذا يجب أن يتّخذ القرآن ميزانا لمعرفة صحّة الكلام العربي ويقاس بتعابيره قواعد لغتها ، فما وافقه فهو صحيح وما خالفه فهو زائف وسقيم.
وبعد هذا البيان نقول : إنّ العلماء لما وجدوا في قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) خلافا للقاعدة المكتشفة من لسان العرب حيث يقولون : (إن هذين لساحران) ، أجروا عليه التبديلات المذكورة كلّ حسب اجتهاده ، ينوون بذلك الخير في عملهم حين يقومون بتصحيح كلام الله ـ نعوذ بالله ـ بما يوافق تعابيرهم في كلامهم غير الموزون.
وبناء على عملهم هذا ينبغي لهم أن يصحّحوا شعر حسان (ملأوس أو ملخزرج) ويقرءوه :
لما رأى بدرا تسيل جلاهها |
|
بكتائب من الأوس أو من الخزرج |
ويفقدوه وزنه الّذي به امتاز على سائر محاورات العرب.
بعد بيان ما سبق ، نقف وقفة تأمّل واستنتاج لما ذكرناه.
__________________
(١) نهاية اللّغة لابن الأثير ، مادّة (بيد).