وما السبب في أن تنفرد امّ المؤمنين عائشة بالإفتاء على عهد عمر وعثمان وتستمر في الفتيا إلى يوم وفاتها؟!
والجواب : أن ما كان من قيامهما بالإفتاء بعد عهد عمر فهو امتداد لعملهما بالإفتاء على عهد عمر وبإرجاع الخليفة المهيب إليهما!
وما كان من سبب إرجاع الخليفة عمر إلى امّ المؤمنين عائشة وهي فتاة في مقتبل العمر فقد بيناه مفصّلا في كتابنا أحاديث «امّ المؤمنين عائشة» ، ونشير إليه هنا.
وأمّا ابن عباس فهل كان عنده من علم الرسول (ص) وسنته ما لم يكن عند الصحابة السبّاقين إلى الإسلام في مكّة أمثال الإمام عليّ (ع) وابن مسعود وعمّار بن ياسر وخبّاب بن الأرت ونظرائهم؟
وهل كان عنده ما رشحه لمقام المشير عند الخليفة من رجاحة العقل ما لم تكن عند الإمام عليّ؟ ومن الحنكة ما لم تكن عند عبد الرّحمن بن عوف؟ ومن الدراية في الامور ما لم تكن عند عثمان؟ ومن الخبرة في الحروب ما لم تكن عند أبي عبيدة وخالد بن الوليد؟ ومن الدّهاء ما لم يكن عند عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة!
ولنا أن نقول : كان في تعريف الخليفة ابن عباس إلى ملأ من المسلمين حكمة ، فقد كان المنافس القوي للخلافة عليّ بن أبي طالب ابن عمّ الرسول الذي قال فيه رسول الله (ص) : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» (١) ، وكان بمنزلة من العلم يعلمها العلماء وأهل البحث وكانوا يرجعون إليه في ما احتاجوا إلى معرفته.
وترشيح ابن عباس لمقام الإفتاء وهو ضمن حاشية الخليفة فيه سدّ لهذه الخلّة.
__________________
(١) أسد الغابة ، ترجمة الإمام عليّ (ع) ٤ / ٢٢.