الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة وقد تسلّخت أفخاذه وكاد أن يتلف.
وفي الأنساب : فلمّا قدم أبو ذر المدينة ، جعل يقول : تستعمل الصبيان ، وتحمي الحمى ، وتقرب أولاد الطّلقاء! فسيّره إلى الربذة ، فلم يزل بها حتى مات.
وكان مكث أبي ذر في الشام سنة واحدة ، فقد ذكر المؤرخون أن تسفيره من المدينة إلى الشام كان سنة تسع وعشرين ؛ وفي سنة ثلاثين شكاه معاوية إلى عثمان ، فجلبه إلى المدينة ، ثمّ نفاه إلى الربذة ، فتوفي بها سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين (١).
ولمعاوية ـ أيضا ـ قصص طويلة مع قراء أهل الكوفة الّذين سيرهم عثمان إلى الشام أوردها البلاذري في أنساب الأشراف (٢) وقال في آخر خبرهم ما موجزه :
بلغ معاوية أن قوما من أهل دمشق يجالسونهم ، فكتب إلى عثمان انّك بعثت إلي قوما أفسدوا مصرهم وانغلوه ، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قبلي ويعلموهم ما لا يجيدونه حتّى تعود سلامتهم غائلة واستقامتهم اعوجاجا.
فكتب ـ عثمان ـ إلى معاوية يأمره أن يسيرهم إلى حمص ، ففعل.
وإنما كان معاوية يشكو من بقاء صحابة النبي كأبي ذر ، وعبادة بن الصامت وغيرهما من التابعين وقرّاء المسلمين وأخيارهم في الشام خشية أن يعرّفوا أهل الشام ما خفي عنهم من الإسلام وأحكامه ، فلا يستطيع معاوية آنذاك أن يعيش فيهم عيشة كسرى وقيصر.
وكان الخليفة عثمان عند حسن ظنّ أبناء عمومته الّذين ولّاهم على المسلمين كما شرحنا ذلك في فصل (في عصر الصهرين) من كتاب أحاديث امّ المؤمنين عائشة ، وأطلق لهم العنان ، ففعلوا في ولاياتهم ما شاءوا ، وكان منهم معاوية ، الّذي استطاع أن يربّي أهل الشام مدّة اثنتي عشرة سنة (٢٤ ـ ٣٦ ه)
__________________
(١) أنساب الأشراف ٥ / ٤٣.
(٢). ٥ / ٤٣.