وكان أبو ذر يقول : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سنّة نبيّه ، والله إنّي لأرى حقّا يطفأ وباطلا يحيى ، وصادقا يكذّب ، وأثرة بغير تقى ، وصالحا مستأثرا عليه (١) ، وكان الناس يجتمعون عليه ، فنادى منادي معاوية ألّا يجالسه أحد (٢).
وفي رواية أنّ معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح اللّيل فأنفقها ، فلمّا صلّى معاوية الصبح ، دعا رسوله فقال : اذهب إلى أبي ذر ، فقل انقذ جسدي من عذاب معاوية ، فإنّي أخطأت. قال : يا بني ، قل له : يقول لك أبو ذر : والله ما أصبح عندنا منه دينار ولكن أنظرنا ثلاثا حتى نجمع لك دنانيرك.
فلمّا رأى معاوية أن قوله صدق فعله ؛ كتب إلى عثمان : أما بعد ؛ فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله ؛ فابعث إلى أبي ذر ، فإنّه وغل صدور الناس ... الحديث (٣).
وفي أنساب الأشراف : فكتب عثمان إلى معاوية : أمّا بعد ، فاحمل جندبا على أغلظ مركب وأوعره.
فوجّه معاوية من سار به اللّيل والنّهار (٤).
وفي تاريخ اليعقوبي (٥) : فكتب إليه أن احمله على قتب بغير وطاء ؛ فقدم به إلى المدينة وقد ذهب لحم فخذيه.
وفي مروج الذهب (٦) : فحمله على بعير عليه قتب يابس. معه خمس من
__________________
(١) أنساب الأشراف ٥ / ٥٤ ـ ٥٥ ، ط. بغداد.
(٢) طبقات ابن سعد ٤ / ٢٢٩.
(٣) سير أعلام النبلاء ٢ / ٦٩ ـ ٧٠ ، ط. بيروت سنة ١٤٠١ ه.
(٤) ترجمة عثمان في الجزء الخامس من أنساب الأشراف ٥ / ٥٤ ـ ٥٥.
(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٧٢.
(٦) مروج الذهب ٢ / ٣٤٠ ، ط. بيروت سنة ١٣٨٥ ه ، وقد ذكر هناك تفصيل قصّة أبي ذر. «والصقالبة» : قوم كانت بلادهم تتاخم بلاد الخزر.