وممّا ساعد المحمّدين في أمرهم تذمّر المصريين من سيرة ابن أبي سرح فيهم ، وظلمه إيّاهم ، وقد بلغ الأمر به معهم أن يضرب بعض من شكاه إلى عثمان حتّى يتوفّى ، وقد أورد قصّة قدوم المصريين على عثمان في شكواهم من ابن أبي سرح كلّ من الطبري وابن الأثير في حديثهما عن شكوى المصريين من ابن أبي سرح ، وقالا :
(وقد قدّموا في كلامهم ابن عديس فذكر ما صنع ابن سعد بمصر وذكر تحاملا منه على المسلمين وأهل الذمّة واستئثارا منه في غنائم المسلمين ، فإذا قيل له في ذلك قال هذا كتاب أمير المؤمنين إليّ ...) (١).
تراجم المذكورين في الخبر :
أ ـ عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث القرشي العامري. وهو أخو عثمان من الرضاعة ، أرضعت امّه عثمان.
أسلم قبل الفتح وهاجر إلى المدينة ، وكتب الوحي لرسول الله ، ثمّ ارتدّ مشركا ، وصار إلى قريش بمكّة ، فقال لهم : إنّي كنت أصرف محمّدا حيث اريد ؛ كان يملي عليّ : «عزيز حكيم» فأقول : «عليم حكيم»! فيقول : نعم ، كلّ صواب ؛ فأنزل الله تعالى فيه :
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ). (الأنعام / ٩٣)
فلمّا كان يوم الفتح ، أهدر رسول الله دمه ، وأمر بقتله ولو وجد متعلّقا
__________________
(١) الطبري ٥ / ١١٨ ، وط. أوربا ١ / ٢٩٩٤ ؛ وابن الأثير ٣ / ٥٩ ـ ٧٠.