أمّا رضيت من مروان ولا رضي منك إلّا بتحرّفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به! والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا في نفسه ، وأيم الله إني لأراه سيوردك ثمّ لا يصدرك ، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك ، أذهبت شرفك وغلبت على أمرك.
فلمّا خرج عليّ دخلت عليه نائلة بنت الفرافصة امرأته ، فقالت : أتكلّم أم أسكت؟ فقال : تكلّمي. فقالت : قد سمعت قول عليّ لك ، وإنّه ليس يعاودك وقد أطعت مروان يقودك حيث شاء. قال : فما أصنع؟ قالت : تتّقي الله وحده لا شريك له وتتبع سنّة صاحبيك من قبلك ؛ فانّك متى أطعت مروان قتلك ، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبّة ، وإنّما تركك الناس لمكان مروان ، فأرسل إلى عليّ فاستصلحه ، فإنّ له قرابة منك وهو لا يعصى. قال فأرسل عثمان إلى عليّ فأبى أن يأتيه ، وقال : قد أعلمته أنّي لست بعائد. فبلغ مروان مقالة نائلة فيه فجاء إلى عثمان فجلس بين يديه فقال : أتكلّم أو أسكت؟ فقال : تكلّم. فقال : إن بنت الفرافصة. فقال عثمان : لا تذكرنّها بحرف فأسوئ لك وجهك ، فهي والله أنصح لي منك. فكفّ مروان.
وأخرج الطبري (١) بسنده إلى عبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يغوث يذكر مروان بن الحكم قال :
قبّح الله مروان! خرج عثمان إلى الناس فأعطاهم الرضا وبكى على المنبر وبكى الناس حتى نظرت إلى لحية عثمان مخضلّة من الدموع وهو يقول :
اللهمّ إنّي أتوب إليك ، اللهمّ إنّي أتوب إليك ، اللهمّ إنّي أتوب إليك. والله لئن ردّني الحقّ إلى أن أكون عبدا قنّا لأرضين به ، إذا دخلت منزلي فادخلوا
__________________
(١) الطبري ٥ / ١١٢ ، وط. أوربا ١ / ٢٩٧٧ ـ ٢٩٧٩ ؛ وراجع ابن الأثير ٣ / ٥٨ ـ ٦٤ ، وقد أخرج البلاذري قسما منه في الأنساب ٥ / ٦٥.