فقالت نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان الكلبية : لا بل اصمت فإنّهم والله قاتلوه ومؤثّموه. إنّه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها. فأقبل عليها مروان وقال :
ما أنت وذاك فو الله لقد مات أبوك وما يحسن يتوضّأ ، فقالت له : مهلا يا مروان عن ذكر الآباء ؛ تخبر عن أبي وهو غائب تكذب عليه ، إنّ أباك لا يستطيع أن يدفع عنه ، أما والله لو لا أنّه عمّه وأنّه يناله غمّه لأخبرتك عنه ما لن أكذب عليه. قال : فأعرض عنها مروان ثمّ قال : يا أمير المؤمنين! أتكلّم أم أصمت؟ قال : بل تكلّم. فقال مروان : بأبي أنت وامّي والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع فكنت أوّل من رضي بها وأعان عليها ، ولكنّك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطبيّين (١) ، وخلّف السّيل الزّبى (٢) ، وحين أعطى الخطّة الذليلة الذليل ، والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوّف عليها وإنّك إن شئت تقرّبت بالتوبة ولم تقرر بالخطيئة ، وقد اجتمع عليك بالباب مثل الجبال من الناس ، فقال عثمان : فاخرج إليهم فكلّمهم فإنّي أستحيي أن اكلّمهم ، قال : فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا ، فقال : ما شأنكم قد اجتمعتم! كأنّكم قد جئتم للنّهب؟! شاهت الوجوه! كلّ إنسان آخذ بإذن صاحبه إلّا من اريد ، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا!؟ أخرجوا عنّا. أما والله لئن رمتمونا ليمرّن عليكم منّا أمر لا يسرّكم ولا تحمدوا غبّ رأيكم ، ارجعوا إلى منازلكم فإنّا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا. قال : فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتى عليّا فأخبره الخبر ، فجاء عليّ (ع) مغضبا حتّى دخل على عثمان ، فقال :
__________________
(١) أصل المثل : جاوز الحزام الطبيين. والطّبي : حلمة الضّرع ، وهو كناية عن المبالغة في تجاوز حدّ الشرّ والأذى.
(٢) أصل المثل : بلغ السيل الزّبى ، وهي جمع زبية وهي الرابية الّتي لا يعلوها الماء.