وقال عليّ بن أبي طالب (١) لعثمان : اخرج فتكلّم كلاما يسمعه الناس منك ويشهدون عليه ، ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والإنابة فإنّ البلاد قد تمخّضت عليك ، فلا آمن ركبا آخرين يقدمون من الكوفة فتقول : يا عليّ! اركب إليهم. ولا أقدر أن أركب إليهم ، ولا أسمع عذرا ، ويقدم ركب آخرون من البصرة فتقول : يا عليّ! اركب إليهم ؛ فإن لم أفعل رأيتني قطعت رحمك ، واستخففت بحقك.
قال : فخرج عثمان فخطب الخطبة الّتي نزع فيها ، وأعطى من نفسه التوبة ، فقام فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال :
أمّا بعد ، أيّها الناس! فو الله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله وما جئت شيئا إلّا وأنا أعرفه ، ولكنّي منّتني نفسي وكذبتني وضلّ عنّي رشدي ، ولقد سمعت رسول الله (ص) يقول : من زلّ فليتب ، ومن أخطأ فليتب ، ولا يتماد في الهلكة. إن تمادى في الجور كان أبعد من الطريق وأنا أوّل من اتّعظ. أستغفر الله ممّا فعلت وأتوب إليه فمثلي نزع وتاب ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم ، فو الله لئن ردّني الحقّ عبدا لأستنّ بسنّة العبد ، ولأذلّنّ ذلّ العبد ، ولأكوننّ كالمرقوق ؛ إن ملك صبر ، وإن عتق شكر ، وما عن الله مذهب إلّا إليه ، فلا يعجزنّ عنّي خياركم أن يدنوا إليّ ، فان أبت يميني لتتابعنّ شمالي.
قال : فرقّ الناس له يومئذ وبكى من بكى منهم ، وقام إليه سعيد بن زيد ، فقال : يا أمير المؤمنين! ليس بواصل لك من ليس معك ، الله الله في نفسك ، فأتمم على ما قلت ، فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان وسعيدا ونفرا من بني اميّة ، ولم يكونوا شهدوا الخطبة ، فلمّا جلس قال مروان : يا أمير المؤمنين! أتكلّم أم أصمت؟
__________________
(١) تتمّة الرّواية في أنساب الأشراف ٥ / ٦٤ ـ ٦٥ ، والطّبري ، ط. أوربا ١ / ٢٩٧٣ ـ ٢٩٧٥.