عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق ، وأشهد عليه ناسا من وجوه المهاجرين والأنصار ، فكفّ المسلمون عنه ورجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه ، فجعل يتأهّب للقتال ويستعدّ بالسلاح ، وقد كان اتّخذ جندا عظيما من رقيق الخمس ، فلمّا مضت الأيّام الثلاثة وهو على حاله لم يغيّر شيئا ممّا كرهوا ، ولم يعزل عاملا ، ثار به الناس ، وخرج عمرو بن حزم الأنصاري حتّى أتى المصريين وهم بذي خشب ، فأخبرهم الخبر وسار معهم حتّى قدموا المدينة فأرسلوا إلى عثمان :
ألم نفارقك على أنّك تائب من أحداثك ، وراجع عمّا كرهنا منك وأعطيتنا على ذلك عهد الله وميثاقه؟
قال : بلى أنا على ذلك.
قالوا : فما هذا الكتاب الّذي وجدنا مع رسولك وكتبت به إلى عاملك؟!
قال : ما فعلت ولا لي علم بما تقولون!
قالوا : بريدك على جملك ، وكتاب كاتبك عليه خاتمك!
قال : أمّا الجمل فمسروق ، وقد يشبه الخطّ الخطّ ، وأمّا الخاتم فقد انتقش عليه.
قالوا : فإنّا لا نعجل عليك وإن كنّا قد اتّهمناك ؛ اعزل عنّا عمّالك الفسّاق ، واستعمل علينا من لا يتهم على دمائنا وأموالنا ، واردد علينا مظالمنا.
قال عثمان : ما أراني إذا في شيء إن كنت أستعمل من هويتم وأعزل من كرهتم. الأمر إذا أمركم.
قالوا : والله لتفعلنّ ، أو لتعزلنّ ، أو لتقتلنّ. فانظر لنفسك أو دع ، فأبى عليهم وقال :
لم أكن لأخلع سربالا سربلنيه الله.